للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم - رحمه الله (١) -: «وكذلك اتفقوا كلهم على أنه لو أصابها [يعني: محرمه] باسم النكاح عالمًا بالتحريم أنه يُحدُّ، إلا أبا حنيفة وحده، فإنه رأى في ذلك شبهة مسقطة للحدِّ» اهـ.

اعتراضُ على عقوبة الزنا، وردُّه (٢):

تختلف عقوبة الزنا باختلاف حال الزاني، فالجلد والتغريب عقوبة الزاني البكر، والرجم عقوبة الزاني المحصن.

وعلى أي من الحالين فقد أورده نفاة المعاني والقياس اعتراضًا على عقوبة الزنا، فقالوا: هذا تفريق في الشرع بين المتماثلات، فكيف يعاقب الشارع السارق بقطع يده، ويترك معاقبة الزاني بقطع فرجه والفرج هو العضو الذي باشر فيه معصية الزنا كما أن اليد هي الآلة التي باشر فيها معصية السرقة.

وقد ناقش ابن القيم - رحمه الله تعالى - هذا الاعتراض، وأتى عليه بالنقض والرد له من وجوه متعددة مبينًا أن هذا من أفسد القياس وأبطله، وأن عين الحكمة والكمال: هي فيما رتبه الشارع على كلّ جريمة بما يناسبها من عقاب.

ونستطيع أن نستخلص وجوه الرد والتعقب لهذا الاعتراض فيما يلي:

١ - أن الفرج عضو خفي مستور لا تراه العيون فلا يحصل بقطعه مقصود الشارع بالحد من الزجر والردع للغير، وهذا بخلاف السارق بقطع يده.

٢ - أن في قطع العضو التناسلي قطع النسل وتعريض للهلاك وقضاء على النوع الإنساني وهذا بخلاف قطع يد السارق.

٣ - أن لذة الزنا سرت في جميع البدن كلذة العضو المخصوص فكان الأحسن أن تعم العقوبة جميع البدن الذي نالته اللذة المحرمة.

٤ - أن السارق إذا قطعت يده بقيت له يد أخرى تعوض عنها بخلاف الفرج فإنه إذا قطع لم يبق له ما يقوم مقامه لتتميم مصالحه بتنمية النوع الإنساني.

٥ - أن قطع العضو التناسلي مفض إلى الهلاك، وغير المحصن لا تستوجب جريمة الهلاك، والمحصن يناسب جريمته أشنع القتلات، ولا يناسبها قطع بعض أعضائه. فافترقا.


(١) «الداء والدواء» (ص: ٢٠٧) ط. التوفيقية بتحقيق أخي الحبيب هاني الحاج - نفع الله به -.
(٢) من «الحدود والتعزيزات عند ابن القيم» للعلامة بكر أبو زيد - رفع الله قدره - (ص: ٩٧ - ٩٨)، وانظر: «إعلام الموقعين» (١/ ١٢٦ - ٢/ ٥٢، ١٠٦، ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>