للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: لا حدَّ في التعريض بالقذف: وهو قول الجمهور منهم الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وابن حزم واحتجوا بما يلي:

١ - حديث أبي هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال: «هل لك من إبل؟»، قال: نعم، قال: «ما لونها؟» قال: حُمْر، قال: «فيها من أوراق؟» قال: نعم، قال: «فأنَّى كان ذلك»؟ قال: أراه عرق نزعه، قال: «فلعلَّ ابنك هذا نزعه عرق» (١).

قالوا: لما كان قول الأعرابي محتملًا لغير القذف لم يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بحكم القذف، فدلَّ على أنه لا حدَّ في التعريض بالقذف.

واعترض ابن القيم على هذا الاستدلال بأن قول الأعرابي (إن امرأتي ولدت غلامًا أسود) (٢) ليس فيه ما يدل على القذف ولا صريحًا ولا كناية وإنما أخبره بالواقع مستفتيًا عن كم هذا الولد، أيستلحقه مع مخالفة لونه للونه أم ينفيه؟ فأفتاه

النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرَّب له الحكم بالشبه الذي ذكره ليكون أذعن لقبوله وانشراح صدره له، فأين في هذا ما يبطل حدَّ القذف؟!!.

٢ - أن أحكام الشرع مضت في الحدود وغيرها على ما يظهره العباد، والله تعالى يُدين بالسرائر، بل قال الشافعية - في الأصحِّ عندهم -: إن هذا ليس بقذف وإن نواه (!!)؛ لأن النية إنما تؤثر إذا احتمل اللفظ المنوي، ولا دلالة هنا في اللفظ ولا احتمال، وما يفهم منه مستنده قرائن الأحوال.

٣ - أن التعريض يتضمن الاحتمال، والاحتمال شبهة تسقط الحدَّ.

٤ - أن الله تعالى فرَّق بين التعريض بالخطبة والتصريح بها فكذلك في القذف.

القول الثاني: يجب الحدُّ في التعريض بالقذف إن فُهم القذف بتعريضه بالقرائن: وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما - وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وهو مذهب مالك - إلا أنه استثنى أن يكون المُعَرّض الأَبَ فإنه لا يحدُّ عنده لبعده عن التهمة - وهو مقابل الأصح عند الشافعية - فقالوا: هو كناية عن القذف لحصول الفهم والإيذاء، فإن أراد النسبة إلى الزنا فقذف عندهم فإلا


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٦٨٤٧)، ومسلم (١٥٠٠).
(٢) وجه التعريض هنا: أنه قال: (غلامًا أسود) أي: وأنا أبيض فكيف يكون منِّي؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>