للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أنه لا يستحلف: وبه قال حماد والثوري وأصحاب الرأي، قالوا: لأنه حد، فلا يستحلف فيه كالزنا والسرقة، فإن امتنع عن اليمين لم يقم عليه الحد، لأن الحد يدرأ بالشبهات فلا يُقضى فيه بالنكول كسائر الحدود.

عقوبات القاذف:

من قذف مسلمًا بفاحشة الزنا، أو ما يستلزم الزنا كنفي ولد المحصنة عن أبيه، وعجز عن إثبات دعواه هذه، فإن الله تعالى أوجب عليه ثلاث عقوبات في نصٍّ قرآني صريح مُحكم، قال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يألوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} (١).

وقد تضمنت الآية الكريمة العقوبات الآتية:

الأولى: جلد القاذف ثمانين جلدة:

وهذا من قواطع الأحكام في الإسلام، للآية الكريمة، ولفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن قذف عائشة - رضي الله عنها - في - حادثة الإفك - إذ جلد كل واحد ثمانين جلدة.

إذا قذف العبد حُرًّا:

العبد إذا قذف حرًّا محصنًا، فإنه يجب عليه الحد بشروطه المتقدمة، لكن اختلف أهل العلم: هل يُحدُّ كحدِّ الحرِّ (ثمانين جلدة) أم على النصف منه؟ على

قولين (٢):

الأول: حدُّ أربعون جلدة: وهو قول جمهور العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم، قالوا: لأنه حدٌّ ينتصَّف بالرقِّ كالزنا، وقد قال الله تعالى: {فإن أتن بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} (٣).

وقال مالك: قال أبو الزناد: سألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: «أدركت عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والخلفاء وهلم جرا، فما رأيت أحدًا جلد عبدًا في فرية أكثر من أربعين» (٤).


(١) سورة النور: ٥.
(٢) «فتح القدير» (٤/ ١٩٢)، و «تفسير القرطبي» (النور: ٤)، و «فتح الباري»، و «المحلي» (١١/ ٢٧٢).
(٣) سورة النساء: ٢٥.
(٤) إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (١٥٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>