للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أن الله سبحانه قد أبَّد المنع من قبول شهادتهم بقوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا} وحكم عليهم بالفسق، ثم استثنى التائبين من الفاسقين، وبقي المنع من قبول الشهادة على إطلاقه وتأييده.

وهذا الاستدلال راجع إلى مسألة أصولية مشهورة عند الحنفية، وهي: (أن الاستثناء إذا جاء بعد جمل متعاطفات رجع الاستثناء للأخير فقط).

وعليه، فاستثناء الذين تابوا في هذه الآية إنما يرجع على وصفهم بالفسق فقط، فيرفع عنهم الفسق، ويبقون مردودي الشهادة أبدًا.

٢ - أن المنع من قبول شهادته جعل من تمام عقوبته، ولهذا لا يترتب المنع إلا بعد الحد، فلا يسقط هذا العقاب بالتوبة، كما أن الحد لا يسقط عنه بالتوبة.

وتُعقِّب هذا الاستدلال بأن ردَّ الشهادة ليس من تمام الحد، فإن الحد تمَّ باستيفاء عدده، وسببه نفس القذف، وأما ردُّ الشهادة فحكم آخر أوجبه الفسق بالقذف لا الحد.

ثم إن قياسهم هذه العقوبة - وهي رد الشهادة - على عقوبة الحد، وأنه كما لا تسقط عقوبة الجلد بالتوبة فكذلك عقوبته برد الشهادة، فهذا القياس يرد عليه القادح بافتراق العلة، فإن العلة في الحد بالجلد هي القذف، وأما في إيجاب ردِّ الشهادة فالعلة مترددة بين القذف وبين الفسق بالقذف، فلا يتم الاستدلال بالقياس.

٣ - واستدلوا بما يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا

تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا محدود في الإسلام، ولا ذي غمر على أخيه» (١).

وتعقب الجمهور هذا الاستدلال من جهتين: من جهة السند فهو ضعيف لاسيما ذكر المجلود في حد، ثم على فرض صحته فهو محمول على غير التائب، فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (٢).

«وهذا نقد مُسلَّم فإن قوله «ولا محدود» يشمل أي حد كالخمر والزنا والقذف ونحوها، والاتفاق جارٍ على أن المحدود في خمرٍ - مثلًا - تقبل شهادته إذا تاب،


(١) ضعيف: أخرجه ابن ماجة (٢٣٦٦)، وأحمد (٢/ ٢٠٨)، والدارقطني (٤/ ٢٤٤)، والبيهقي (١٠/ ١٥٥) بسند ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وله شاهد من حديث عائشة عند الترمذي (٢٢٩٨) وغيره ولا يصح.
(٢) حسن: أخرجه ابن ماجه (٤٢٥٠) بسند منقطع وله شواهد يحسن بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>