للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكى ابن قدامة في «المغني» أن هذا محل إجماع من الصحابة - رضي الله

عنهم.

٣ - القياس على قاعدة الشريعة المطردة من قبول شهادة كل تائب، قالوا: وأعظم موانع الشهادة: الكفر والسحر وقتل النفس وعقوق الوالدين والزنا، ولو تاب من هذه الأشياء قُبلت اتفاقًا، فالتائب من القذف أولى بالقبول، قالوا: ولا عهد لنا في الشريعة بذنب واحد يتاب منه ويبقى أثره المترتب عليه من رد الشهادة، وهل هذا إلا خلاف المعهود منها، وخلاف قوله - صلى الله عليه وسلم -: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (١)؟!

قالوا: ورد الشهادة بالقذف إنما هو لعلة الفسق، وقد ارتفع بالتوبة، وهو سبب الرد، فيجب ارتفاع ما ترتب عليه وهو المنع.

وتعقبه الأولون: بأن العلة إنما هي تتمة الحد بسبب القذف لا الفسق به - كما تقدم - فهذا قياس مع الفارق!!

٤ - قالوا: الحدُّ يدرأ عنه عقوبة الآخرة، وهو طهرة له، فكيف تقبل شهادته إذ لم يتطهر بالحد، وترد أطهر ما يكون، فإنه بالحد والتوبة قد يطهر طهرًا كاملًا.

الترجيح:

الذي يظهر مما تقدم أن الحاسم في المسألة، معرفةُ ما يعود إليه الاستثناء في الآية الكريمة، ففي الآية تقدم الاستثناء ثلاثُ جمل متعاطفات وهي:

(أ) {فاجلدوهم ثمانين جلدة} (٢).

(ب) {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا} (٣).

(جـ) {وأولئك هم الفاسقون} ثم قال {إلا الذين تابوا} (٤).

وقد أجمعوا على أن الاستثناء غير عامل في جلده - في الجملة الأولى - فالتوبة لا تسقط عن القاذف حدَّ الجلد إجماعًا (٥) أي: إذا رفعت إلى الحاكم.

وكذلك أجمعوا على أن الاستثناء عامل في فسقه - في الجملة الثالثة - فالتوبة تزيل عن القاذف وصف الفسق.


(١) حسن: تقدم قريبًا.
(٢) سورة النساء: ٢٥.
(٣) سورة النساء: ٢٥.
(٤) سورة النور: ٤، ٥.
(٥) نقل الإجماع غير واحد، انظر: «تفسير ابن كثير» (٣/ ٢٥٧)، و «المجموع» (٢٢/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>