للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيبقى الخلاف في عمل الاستثناء في ردِّ الشهادة؟! وقد علمت خلاف الجمهور والحنفية في عود الاستثناء على الجمل المتعاطفات.

والذي يظهر لي هو ما استظهره جماعة من الأصوليين (١) من أن الحكم في الاستثناء الآتي بعد متعاطفات هو الوقف، ولا يحكم برجوعه إلى الجميع، ولا إلى الأخيرة، إلا بدليل يدل عليه، ويبدو لي أن فعل الصحابة وعمومات الشريعة بكون التائب كمن لا ذنب له يصلح دليلًا على جعل الاستثناء راجعًا إلى الجملتين - كما قال الجمهور - فيرتفع بالتوبة ردُّ الشهادة والحكم بالفسق، والله تعالى أعلم.

صِفَةُ توبةِ القَاذِفِ:

وأما صفة التوبة التي بها يرفع الحكم بالفسق عن القاذف وتقبل شهادته،

فللعلماء فيها قولان (٢):

الأول: لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي حُدَّ فيه، وبه قال عمر - رضي الله عنه - وجماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد، وحجتهم:

١ - قصة عمر المتقدمة في حدِّ أبي بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنا، وفيها أن عمر قال لهم: «توبوا تُقبل شهادتكم» فتاب رجلان ولم يتب أبو بكرة، فكان لا يقبل شهادته (٣).

وفي رواية: «فلما فرغ من جلد أبي بكرة، قام أبو بكرة فقال: أشهد أنه زان ...» (٤).

قلت: وهذا يدلُّ على أن المراد بطلب توبتهم إكذاب أنفسهم.

٢ - أن إكذابه نفسه هو ضد الذنب الذي ارتكبه وهتك به عرض المسلم المحصن، فلا تحصل التوبة منه إلا بإكذابه نفسه لينتفي عن المقذوف العار الذي الحق به القذف، وهو مقصود التوبة.

القول الثاني: يكفي في توبته أن يصلح ويحسن حاله، ويندم على ما كان منه ويستغفر، وإن لم يكذِّب نفسه: وهو قول جماعة من التابعين واختيار ابن جرير الطبري، وهو مذهب مالك - رحمه الله -.


(١) منهم القرطبي وابن الحاجب من المالكية، والغزالي من الشافعية، والآمدي من الحنابلة، واستظهره العلامة الشنقيطي في «الأضواء» (٦/ ٩٠) والعلامة بكر أبو زيد - حفظه الله -.
(٢) «تفسير القرطبي» (١٢/ ١٧٩)، و «نهاية المحتاج» (٨/ ٢٩١)، و «المغني» (١٢/ ٧٧).
(٣) صحيح: تقدم قريبًا.
(٤) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (٨٨٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>