للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأوَّل أرجح للأثر، ولأن مجرد الاستغفار لا مصلحة فيه للمقذوف، ولا يحصل له براءة عرضه مما قذف به، فلا يحصل به مقصود التوبة من هذا الذنب، فإن فيه حقين: حق لله وحق للعبد، وحق العبد لا يؤدي إلا بتكذيب القاذف نفسه.

وهنا إِشْكال (١):

ولعله لأجله قال من قال: يكفي الاعتراف بالذنب والاستغفار، وهو: إذا كان صادقًا قد عاين الزنا فأخبر به فكيف يسوغ له تكذيب نفسه وقذفها بالكذب، ويكون ذلك من تمام توبته؟

والجواب: أن الكذب يراد به أمران: أحدهما: الخبر غير المطابق لمخبره، والآخر: الخبر الذي لا يجوز الإخبار به، وإن كان مطابقًا لمخبره.

ومن الثاني خبر القاذف المنفرد برؤية الزنا، والإخبار به، فإنه كاذب في حكم الله وإن كان خبره مطابقًا لمخبره، ولذا قال الله تعالى: {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} (٢).

وعلى هذا فحكم الله في مثل هذا أن يعاقب عقوبة المفتري الكاذب وإن كان خبره مطابقًا، فيلزمه أن يعترف بأنه كاذب عند الله كما أخبر الله تعالى عنه، فإذا لم يعترف بأنه كاذب وجعله الله كاذبًا، فأي توبة له، وهل هذا إلا محض الإصرار والمجاهرة بمخالفة حكم الله الذي حكم به عليه؟!

العقوبة الثالثة: الحكم بفسق القاذف: ولا خلاف في ذلك لنصِّ الآية الكريمة {وأولئك هم الفاسقون} (٣).

وقد علمت أن الحكم بفسقه يرتفع بتوبته إجماعًا لقوله تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} (٤). وتكون التوبة على النحو الذي تقدم وصفه والله أعلم.

إذا قذف إنسانًا باللواط أو بإتيان البهائم (٥):

من قذف رجلًا بفعل قوم لوط - إما فاعلًا أو مفعولًا به - فقد اختلف أهل


(١) للعلامة بكر أبو زيد - أمتع الله بحياته - (ص: ٢٤٦ - ٢٤٨).
(٢) سورة النور: ١٣.
(٣) سورة النور: ٤.
(٤) سورة النور: ٥.
(٥) «المغني» (٩/ ٧٩)، و «المجموع» (٢٢/ ١١٤)، و «المحلي» (١١/ ٢٨٣ - ٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>