للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحد يتناول كل فرد من أفراد المسكر، وقد سماه (خمرًا) أفصح الأمة لسانًا - صلى الله عليه وسلم -، فمن خصَّ بنوع خاص من المسكرات فقد قصر فهمه، وهضم المعنى العام في الخمر الشامل معناه لكل مسكر.

ثم إن الأحاديث الواردة في هذا الباب تبطل المذهب الأول القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب، ومن ذلك:

١ - حديث أنس قال: «إن الخمر قد حُرمت، والخمر يومئذ: البُسر والتمر» (١).

٢ - وعنه قال: «لقد أنزل الله الآية التي حرم فيها الخمر، وما بالمدينة شراب

يُشرب إلا من التمر» (٢).

وفي لفظ: «... وما نجد خمر الأعناب، وعامة خمرنا البسر والتمر» (٣).

٣ - وعن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر، وإن بالمدينة يومئذٍ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب» (٤).

٤ - وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الحنطة خمرًا، ومن الشعير خمرًا، ومن الزبيب خمرًا، ومن التمر خمرًا، ومن العسل خمرًا» (٥).

٥ - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قام عمر على المنبر فقال: «أما بعد، نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل» (٦).

فهذه النصوص وغيرها كثير صريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن، وخوطب بها الصحابة، وهي تغني عن التكلف في إثبات تسميتها خمرًا بالقياس مع كثرة النزاع فيه، على أن محض القياس الجلي - على فرض عدم وجود هذه النصوص - يقتضي التسوية بينها، بل هي أرفع أنواع القياس؛ لأن الفرع فيه مساوٍ للأصل في جميع أوصافه،

والعجب من أبي حنيفة وأصحابه - رحمهم الله - فإنهم يتوغلون في القياس ويرجحونه على أخبار الآحاد (!!) ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسنة (٧).


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٥٥٨٤)، ومسلم (١٩٨٠).
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٩٨٢).
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٥٥٨٠).
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (٤٦١٦)، ومسلم (٣٠٣٢).
(٥) صحيح: أخرجه أبو داود (٣٦٥٩)، والترمذي (١٩٣٤)، وابن ماجة (٣٣٧٩).
(٦) صحيح: أخرجه البخاري (٥٥٨١)، ومسلم (٣٠٣٢).
(٧) انظر: «تهذيب السنن» (٥/ ٢٦٢) لابن القيم، و «تفسير القرطبي» (٦/ ٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>