للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إن المقصود هو الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة، وأن يكون إلى كفّ عدوانه أقرب، وأن يعتبر به غيره، وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبة نصوحًا وأن يذكره ذلك بعقوبة الآخرة، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.

ثم إن في حد السرقة معنى آخر، وهو أن السرقة إنما تقع من فاعلها سرًّا كما

يقتضيه اسمها، ولهذا يقولون (فلان ينظر إلى فلان مسارقة) إذا كان ينظر إليه نظرًا خفيًّا لا يريد أن يفطن له. والعازم على السرقة مختف كاتم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به، ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء.

واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران. ولهذا يقال: (وصلت جناح فلان) إذا رأيته يسير منفردًا، فانضممت إليه لتصحبه، فعوقب السارق يقطع اليد قصًّا لجناحه، وتسهيلًا لأخذه أن عاود السرقة.

فإذا فعل به هذا في أول مرة بقي مقصوص أحد الجناحين ضعيفًا في العدو.

ثم تقطع في الثانية رجله فيزداد ضعفًا في عدوه، فلا يكاد يفوت الطالب.

ثم تقطع يده الأخرى في الثالثة. ورجله الأخرى في الرابعة فيبقى لحمًا على وضم فيستريح ويريح).

شبهات حول قطع يد السارق، وردُّها:

قال العلامة بكر أبو زيد - رفع الله قدره -في كتابه القيم «الحدود والتعزيرات عند ابن القيم» ما نصُّه:

أورد ابن القيم - رحمه الله تعالى - التساؤل المشهور من نفاة القياس والحكم والتعليل من وجود التفريق بين المتماثلين. والجمع بين المختلفين. وفي هذا ذكر إيرادهم في السرقة وكشف عنها بما لا يدع لقائل مقالًا.

ونفاة القياس إنما أوردوا هذا وأمثاله لفك شرعية القياس لا للقدح في حكم السرقة فحاشاهم بل هم مؤمنون بحكم الله ودينه وشرعه ولا يعتريهم في ذلك شك ولا يساورهم فيه وهم.

أما في عصرنا فهذه الإيرادات ونحوها هي النافذة الموهومة التي نفث منها - المستشرقون وأذنابهم - بإلقاء الشبه وتكوين الشكوك لا في هذا الحد (قطع السارق) فحسب بل ليتدرجوا بالرعاع من أولاد المسلمين، الغرباء عن إسلامهم - إلى ترك الإسلام جملة وتفصيلًا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>