للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: لا يجب الضمان مطلقًا، ولا تتوقف صحة توبته عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، وبه قال عطاء وابن سيرين والشعبي ومكحول وغيرهم، وحجتهم:

١ - قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} (١). قالوا: فسمى القطع جزاء، والجزاء يبنى على الكفاية، فلو ضم إليه الضمان لم يكن القطع كافيًا فلم يكن جزاءً، فعلم أن التضمين عقوبة زائدة على الجزاء فلا تُشرع.

وأجاب الجمهور بأن مجموع الجزاء - إن أريد به: مجموع العقوبة - فصحيح هو القطع، والقول بالتضمين لا دخل له في العقوبة، ولهذا يجب الضمان في حق غير الجاني: كمن أتلف مال غيره خطأ أو إكراهًا، ولهذا فإن سقوط الحد لا يسقط

الضمان لتفاوت الحقين - حق الله وحق العبد - بتفاوت جهتهما.

٢ - حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه قضي في السارق إذا أقيم عليه الحد أنه لا غرم غليه» (٢) ولذا قالوا: لا يجتمع حد وضمان، لأن الحكم بالضمان يجعل المسروق مملوكًا للسارق، مستندًا إلى وقت الأخذ فلا يجوز إقامة الحد عليه، لأنه لا يقطع أحد في ملك نفسه.

وأجاب الجمهور بأنه حديث ضعيف لا يحتج به.

الثالث: يلزمه الضمان إن كان موسرًا، وإلا لم يلزمه، وهو مذهب مالك وغيره من فقها المدينة واستحسنه ابن القيم.

قالوا: لئلا تجتمع على السارق - المعسر - عقوبتان: قطع يده، واتباع ذمته.

قال ابن القيم: وهذا استحسان حسن جدًّا، وما أقربه من محاسن الشرع، وأولاه بالقبول، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.

الراجح (٣):

والذي يترجح لي هو ما ذهب إليه الجمهور من إيجاب الضمان على السارق مطلقًا وأنه من تمام توبته من غير فرق بين الموسر والمعسر، فإن كان موسرًا تعيَّن


(١) سورة المائدة: ٣٨.
(٢) ضعيف: أخرجه النسائي (٨/ ٥٨)، والدارقطني، وقال النسائي عقبه: هذا مرسل، وليس بثابت. اهـ. وقال ابن عبد البر: ليس بالقوي. اهـ. قلت: وعلته الانقطاع.
(٣) مستفاد من ترجيح العلامة بكر أبي زيد، حفظه الله. انظر: «الحدود والتعزيرات» (ص: ٤٢٧ - ٤٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>