للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دفعه، وإن كان غير قادر فقد قال الله تعالى في حق غير القادرين: {وإن كان ذو

عسرة فنظرة إلى ميسرة} (١).

وأما رأي المالكية - الذي استحسنه ابن القيم - فهو مجرد استحسان.

والاستحسان هو «الحكم على مسألة بحكم يخالف نظائرها لدليل شرعي» ولم يذكروا دليلًا شرعيًّا يقضي بهذا الاستحسان، والله أعلم.

٥ - هل يسقط الحدُّ بتملُّك السارق المسروق قبل الحكم؟ (٢)

إذا تملَّك السارق المسروق قبل القضاء، بأن اشتراه أو وُهب له أو نحو ذلك، فإن القطع يسقط عنه عند الجمهور، لأن المطالبة شرط للحكم بالقطع، فإذا تملكه السارق قبل القضاء امتنعت المطالبة، وخالف المالكية - لعدم اشتراطهم المطالبة - فقالوا: لا يسقط الحد.

أما إذا حدث الملك بعد القضاء - وقبل القطع - فلا يسقط الحدُّ عند الجمهور - خلاف للحنفية - لأن ما حديث بعد وجوب الحدِّ لم يوجد شبهة في الوجوب، فلم يؤثر في الحد، ولو كان حدوث الملك - بعد القضاء - يسقط الحد، لما قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - سارق رداء صفوان بعدما تصدق به عليه، بل قال له - صلى الله عليه وسلم -: «فلا قبل أن تأتيني به» (٣).

لا يسقط الحدُّ بالتقادُم (٤):

ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وزفر - من الحنفية - إلى أن الحد لا يسقط بالتقادم، لأن الحكم لم يصدر إلا بعد أن ثبتت السرقة، فوجب تنفيذه مهما طال الزمن، ولا ينبغي أن يكون هروب الجاني أو تراخي التنفيذ من أسباب سقوط الحد، وإلا كان ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود الله.

بينما ذهب الحنفية - عدا زفر - إلى أن تقادم التنفيذ بعد القضاء يسقط القطع؛ لأن القضاء في باب الحدود - عندهم - إمضاؤها، فما لم تمض فكأنه لم يقض، ولأن التقادم في التنفيذ كالتقادم في الإثبات بالبينة (!!).


(١) سورة البقرة: ٢٨٠.
(٢) «المبسوط» (٩/ ١٨٧)، و «البدائع» (٧/ ٨٨)، و «شرح الزرقاني» (٨/ ٨٩)، و «المهذب» (٢/ ٢٦٤)، و «المغني» (١٠/ ٢٧٧)، و «معالم السنن» (٣/ ٣٠٠).
(٣) صحيح: تقدم مرارًا.
(٤) «المبسوط» (٩/ ١٧٦)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٥١)، و «المغني» (١٠/ ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>