للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولأن المكرَه آلة في يد المُكرِه، وهو إكراه ملجئ، فهو كما لو رمى به عليه فقتله.

وذهب مالك وأحمد في المشهور عنه وهو قول ثان للشافعي وزفر من أصحاب أبي حنيفة إلى أن المكره يجب عليه القصاص، وحجتهم: أن المكره قتله عمدًا ظلمًا لاستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله، أي كمن اختار قتله على قتل نفسه.

أما قول الأولين: إنه إكراه ملجئ، فغير صحيح، فإنه متمكن من الامتناع، ولديه خيار بين قتل نفسه وقتل غيره، فلا يقال: لا اختيار لديه.

قلت: وهذا الأخير أظهر، فإن محل الإكراه القول لا الفعل، ويؤيد هذا المذهب كذلك عندي حديث سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهد أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي» قال: أفرأيت إن دخل عليَّ بيتي وبسط يده إليَّ ليقتلني؟ قال: «كن كابن آدم» (١) فمنعه أن يبسط يده ليقتل من يريد قتله، فلأن يُمنع من قتل غيره - الذي لم يعتد عليه - إذا أكره عليه من باب أولى، ومثله وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر أن يعتزل

الناس إذا قتل بعضهم بعضًا ولا يأخذ سلاحه حتى قال له: «... ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك يبوء بإثمه وإثمك» (٢).

٤ - أن يكون المقتول معصوم الدم: فلو كان حربيًّا، أو زانيًا محصنًا، أو مرتدًّا، فإنه لا ضمان على قاتله لا بقصاص ولا بدية، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (٣).

٥ - أن لا يكون القاتل أصلًا (أبًا أو جدًّا) للمقتول: فلو قتل رجل ابنه أو حفيده (من ولد البنين أو ولد البنات) فإنه لا يقتل به، وبهذا يقول أكثر أهل العلم


(١) صحيح: أخرجه الترمذي (٢١٩٤)، وأبو داود (٤٢٥٧)، وأحمد (١/ ١٨٥)، والمراد ابن آدم الذي قال لأخيه: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين} [سورة المائدة: ٢٨].
(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٤٢٦١)، وابن ماجة (٣٩٥٨)، وأحمد (٥/ ١٤٩)، وابن حبان (٥٩٦٠).
(٣) صحيح: تقدم مرارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>