للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الدية ليست هي الواجبة بالقتل، بل هي بدل عن القصاص ولو بغير رضا الجاني، ولذا فإن لهم أن يصالحوا على غيرها كما سيأتي في «الديات».

والعفو عن القصاص مندوب إليه شرعًا، لقوله تعالى: {وأن تعفو أقرب

للتقوى} (١) وقوله: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} (٢) وقوله سبحانه: {فمن تصدق به فهو كفارة له} (٣).

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا» (٤).

وقد رُوي عن أنس قال: «ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - رُفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو» (٥).

فإن عفا بعض الأولياء دون بعض: سقط القصاص عن القاتل، لأنه سقط نصيب العافي بالعفو، فيسقط نصيب الآخر في القود ضرورة، لأنه لا يتجزأ، فلا يتصور استيفاء بعضه دون بعض وفي هذه الحالة يبقى للآخرين نصيبهم من الدية فعن زيد بن وهب: أن رجلًا قتل امرأته، استعدى ثلاثة إخوة لها عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعفا أحدهم، فقال عمر للباقين: «خُذا ثلثي الدية، فإنه لا سبيل إلى قتله» (٦).

٣ - الصلح على القصاص (٧):

اتفق الفقهاء على جواز الصلح بين القاتل وولي القصاص على إسقاط

القصاص بمقابل بدل يدفعه القاتل للولي من ماله، ولا يجب على العاقلة؛ لأن العاقلة لا تعقل العمد، ويسمى هذا البدل: بدل الصلح عن دم العمد.

ويجوز أن يكون بدل الصلح هو الدية أو أقل منها أو أكثر منها من جنسها أو غير جنسها، حالًا أو مؤجلًا؛ لأن الصلح معاوضة، فيكون على بدل يتفق عليه الطرفان بالغًا ما بلغ.


(١) سورة البقرة: ٢٣٧.
(٢) سورة البقرة: ١٧٨.
(٣) سورة المائدة: ٤٥.
(٤) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٨٨) وغيره.
(٥) حسن: أخرجه أبو داود (٤٤٩٧)، والنسائي (٤٧٨٨)، وابن ماجة (٢٦٩٢)، والمقدسي في «المختارة» (٢٣٣٧)، والبيهقي (٨/ ٥٤).
(٦) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة البيهقي (٨/ ٥٩).
(٧) «الموسوعة الفقهية» (٣٣/ ٢٧٥ - ٢٧٦) بتصرف واختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>