للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: كيف يُظن بهم الإجماع على خلاف ما قضي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!

أجيب: بأن هذا اجتماع على وفاق ما قضي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قضي به على العشيرة باعتبار النصرة، وكان قوة المرء ونصرته يومئذٍ بعشيرته، ثم لما دوَّن عمر - رضي الله عنه - الدواوين، صارت القوة والنصرة بالديوان. اهـ.

قال شيخ الإسلام: وهذا أصح القولين، وأنها تختلف باختلاف الأحوال، وإلا فرجل قد سكن بالمغرب، وهناك من ينصره ويعينه، كيف تكون عاقلته من بالمشرق في مملكة أخرى، ولعل أخباره قد انقطعت عنهم، والميراث يمكن حفظه

للغائب ... فالوارث غير العاقلة. اهـ.

قلت: لو ثبت فعل عمر - رضي الله عنه - لكان للقول الثاني وجاهته، لأنه قد يقال في أدلة الأولين أن جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الدية على العصبة باعتبار النصرة لا النسب، لكن الظاهر عدم ثبوته، بل قد ورد عنه خلاف، فقد روُي أن عمر أمر عليًّا - في جناية جناها عمر - «أن يقسم عقله على قريش» يعني: يأخذ عقله من قريش لأنه خطأ (١)، وسنده ضعيف كذلك، فيترجح قول الجمهور، والله أعلم.

وهل يدخل الأب والابن مع العاقلة؟

ذهب المالكية والحنابلة في مشهور المذهب - وهو قول عند الحنفية - إلى أن الأب والابن يدخلان مع العاقلة؛ لأنهم من العصبة، ولأن العقل موضوع على التناصر وهم من أهله.

وذهب الشافعية وهو الرواية الثانية عند الحنابلة وقول عند الحنفية إلى أنهما لا يدخلان مع العاقلة؛ لأنهما أصله وفرعه، فكما لا يتحمل الجاني لا يتحملان.

قلت: لعل هذا الأخير يؤيده حديث جابر في قصة اقتتال المرأتين وفيه: «... فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عاقلتها، وبرَّأ زوجها وولدها، قال: فقالت عاقلة المقتولة: ميراثها لنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ميراثها لزوجها وولدها» (٢) ففيه التصريح بتبرئة الابن من الدية، ويقاس الأب

عليه والله أعلم.

والحكمة في وجوب دية الخطأ على العاقلة - مع أن الأصل أن يتحملها الجاني نفسه - أن جنايات الخطأ تكثر، ودية الآدمي كبيرة، فإيجابها في مال الجاني


(١) إسناده ضعيف: أخرجه عبد الرزاق (٩/ ٤٥٩) ومن طريقه ابن حزم في «المحلي» (١١/ ٢٤).
(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٤٥٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>