للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتطهر، فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسَّكة فتطهر بها» فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: «سبحان الله تطهرين بها» فقالت عائشة -كأنها تخفي ذلك-: تتبعين بها أثر الدم (١).

٢ - أن تحلَّ ضفائرها حتى يصل الماء إلى أصول الشعر: لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق «ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها ...» وهو دليل على أنه لا يكتفي فيه بمجرد إفاضة الماء كغسل الجنابة، لا سيما وفي الحديث نفسه أنها سألته عن غسل الجنابة فقال: «ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها» ولم يذكر الدلك الشديد ففرَّق بين غسل الجنابة والحيض.

وقد اختلف العلماء في حكم نقض الضفائر في غسل المحيض: فذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب (٢) وحجتهم:

١ - أن الحديث ليس صريحًا في إيجاب نقض الضفيرة.

٢ - أن حديث عائشة الذي في قصة حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: «فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «دعي عُمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ...» (٣) قالوا: هذا غسل للإحرام وليس غسلاً للحيض فلا يصلح دليلاً.

٣ - وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها -وكانت حائضًا-: «انقضي شعرك واغتسلي» (٤) قالوا: هذا الحديث يُرَدُّ إلى الحديث السابق فهو حديث واحد، ومن ثم أعلوا لفظة «واغتسلي» وحملوه على غسل الإحرام.

٤ - إنكار عائشة على عبد الله بن عمرو أمره للنساء بنقض رؤوسهن في الغسل.

بينما ذهب الإمام أحمد والحسن وطاووس إلى أن نقض المرأة ضفائرها في غسل المحيض واجب للأحاديث السابقة، وكأنه الأرجح في المسألة كما حققه العلامة ابن القيم -رحمه الله- (٥) وردَّ على اعتراض الجمهور بما يأتي:

١ - أما قولهم في حديث عائشة في حجِّها: إنه كان في الإحرام فصحيح، لكن غسل الحيض آكد الأغسال وقد أمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يأمر به في سواه من زيادة التطهر والمبالغة فيه فأمرها بنقضه -وهو غير رافع لحدث الحيض- تنبيهًا على وجوب نقضه إذا كان رافعًا للحدث بطريق الأولى.

٢ - وأما حديثها أنه قال لها وهي حائض: «انقضي شعرك واغتسلي».

فكونه غير حديث الحج وارد جدًّا لا سيما ورجال السند من المكثرين.

٣ - وأما إنكار عائشة على عبد الله بن عمرو، إنما كان لأمره للنساء بنقض رؤوسهن في غسل الجنابة بلا شك، فقد قالت: «يا عجبًا لابن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقض رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ...» (٦).

وإنما كانت تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من الجنابة التي يشتركان فيها لا من الحيض!! وعلى هذا فيجب على المرأة أن تحل ضفائرها في


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٣١٤)، ومسلم (٣٣٢) واللفظ له.
(٢) «المغنى» (١/ ٢٢٧)، و «المحلى» (٢/ ٣٨)، و «نيل الأوطار» (١/ ٣١١)، و «تهذيب السنن» (١/ ٢٩٣) مع العون.
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٣١٧)، ومسلم (١٢١١).
(٤) إسناده صحيح: أخرجه ابن ماجه (٦٤١)، وانظر «الإرواء» (١/ ١٦٧).
(٥) «تهذيب السنن» (١/ ٢٩٣ - وما بعدها) مع عون المعبود.
(٦) صحيح: أخرجه مسلم (٣٣١)، والنسائي (١/ ٢٠٣)، وابن ماجه (٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>