وإنما المشهور عن أبي هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم -: "أنه نهى عن بيعتين في بيعة" فأما على الوجه الذي ذكره أبو داود، (المقصود حديث ... فله أوكسهما أو الربا) فيشبه أن يكون ذلك في حكومة في شىء بعينه، كأنه أسلفه دينارًا في قفيزين إلى شهر، فهذا بيع ثانٍ قد دخل على البيع الأول فصار بيعتين في بيعة، فيردان إلى أوكسهما وهو الأصل، فإن تبايعا المبيع الثاني قبل أن يتقابضا الأول كانا مُرْبيين.
ثم قال: وتفسير ما نهى عنه من بيعتين في بيعة على وجهين:
أحدهما: أن يقونا بعتك هذا الثوب نقدًا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر، فهذا لا يجوز لأنه لا يدرى أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد، وإذا جهل الثمن بطل البيع.
والوجه الآخر: أن يقول: بعتك هذا العبد بعشرين دينارًا على أن تبيعنى جاريتك بعشرة دنانير، فهذا أيضًا فاسد لأنه جعل ثمن العبد عشرين دينارًا وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير، وذلك لا يلزمه، وإذا ألزمه سقط بعض ثمنه، وإذا سقط بعضه صار الباقي مجهولًا.
- ومن هذا الباب أن يقول: بعتك هذا الثوب بدينارين على أن تعطينى بهما دراهم صرف عشرين أو ثلاثين بدينار، فأما إذا باعه شيئين بثمن واحد، كدار وثوب، أو عبد وثوب فهذا جائز وليس من باب البيعتين بالبيعة الواحدة، وإنما هى صفقة واحدة جمعت شيئين بثمن معلوم وعقد البيعتين في بيعة واحدة على الوجهين اللذين ذكرناهما عند أكثر الفقهاء فاسد. انتهى.
- وقوله:"فله أوكسهما" قال الشوكانى - رحمه الله -: يدل على أنه باع الشىء الواحد بيعتين، بيعة بأقل وبيعة بأكثر. وقيل في تفسير ذلك هو أن يسلفه دينارًا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال: بعنى القفيز الذي لك علىَّ إلى شهرين بقفيزين، فصار ذلك بيعتين في بيعة، لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول. كذا في شرح السنن لابن رسلان (١).
(١) راجع معالم السنن للخطابى على هامش سنن أبى داود (٣/ ٧٣٩، ٧٤٠) ونيل الأوطار للشوكانى (٦/ ٢٨٧) وعون المعبود شرح سنن أبى داود (٩/ ٢٣٨) وعارضة الأحوذى لابن العربى (٥/ ١٩١، ١٩٢).