للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الرابع: مناقشة الأدلة والترجيح

أولًا: مناقشة أدلة القائلين بعدم جواز بيع التقسيط:

ناقش جمهور الفقهاء أدلة القائلين بعدم جواز بيع التقسيط على النحو التالى: أجابوا عن استدلالهم بقوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، بأن الآية نص عام، يشمل جميع أنواع البيع، ويدل على أنها حلال إلا ما خصه الدليل، ولم يقم نص يدل على حرمة جعل ثمنين للسلعة مؤجل ومعجل فيبقى حلالًا عملًا بعموم الآية (١).

ومن جهة أخرى، فإن آية الربا لا تتناول محل النزاع، لأن الحديث في البيع بثمن مؤجل إنما يقع على السعر (الثمن)، وليس للسعر استقرار لما فيه من التفاوت بحسب الغلاء والرخص، والرغبة في البيع وعدمها، فلم يكن أصلًا يرجع إليه في تعليق الحكم به، وحيث خرجت آية الربا عن أن تكون داخلة في محل النزاع، انتفت الحاجة إلى النظر فيما يعارضها، وما يترتب عليه (٢).

وأما استدلالهم بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وأن عنصر الرضا مفقود في البيع بالتقسيط فيكون باطلًا فيجاب عنه:

بأن الرضا ثابت, لأن من يبيع بثمن مؤجل له سلطة تامة، ويتمتع بكامل الحق في تحديد السعر الذي يريد بحسب حالة البيع من تعجيل أو تأجيل، وهو إذ يطلب ثمنًا مؤجلًا فإنما يفعل ذلك وسيلة من وسائل ترويج بضاعته، فهو يلبي لديه رغبة في الحصول على الثمن الأعلى نظير تأخير الدفع، وما كان كذلك فلا اضطرار فيه. وأما المشترى فإنه كذلك بالخيار في الامتناع عن الشراء أو البحث عن تاجر آخر أو سلعة بديلة، أو أن يقترض قرضًا حسنًا ليدفع بالثمن المعجل، ومع ذلك فقد حصل على السلعة التي يريد دون أن يدفع ثمنًا في الحال وهي للسلعة محل انتفاع وله فيها مصلحة (٣).


(١) "نيل الأوطار" (٥/ ١٧٢)، "الإِسلام وثقافة الإنسان" (٣٧٨).
(٢) "الإِمام زيد" (٢٩٤).
(٣) "الإِمام زيد" (٢٩٤)، "مصرف التنمية الإسلامى" (١٨٧)، "الإِسلام وثقافة الإنسان" (٣٧٨)، المجلة العلمية لتجارة الأزهر، ص ٩٠، ٩٢، العدد السادس، ١٩٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>