للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما استدلالهم بحديث النهى عن صفقتين في صفقة وتفسير سماك له بما يفيد منعه فيجاب عنه:

أن هذا الحديث يحتمل أكثر من تفسير، فكما يحتمل أن يكون المراد به أبيعك هذه السلعة بألف نقدًا أو بألفين نسيئة، يحتمل أن يراد به بعتك هذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا. أو أن يسلف دينارًا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال: بعني القفيز الذي لك علىّ إلى شهرين بقفيزين فصار بيعتين في بيعة واحتمال الحديث لتفسير خارج عن محل النزاع يقدح في الاستدلال به على المتنازع فيه.

على أن غاية ما في الحديث من دلالة هو المنع من البيع إذا رفع على صورة أبيعك نقدًا بكذا ونسيئة بكذا لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط، وكان أكثر من سعر يومه، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة، ولا يدل الحديث على ذلك، فالدليل أخص من الدعوى.

ومن جهة أخرى، فالنهى في الحديث محله فيما إذا قبل المشترى على الإبهام ولم يعين أي الثمنين، أما لو قال قبلت بألف نقدًا أو بألفين نسيئة صح ذلك (١).

أما استدلالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا". وأنه يفيد أن من باع بثمن مؤجل أكثر من الثمن الحال فعليه أن يأخذ بالأقل منهما وإلا دخل في الربا المحرّم فجوابه:

أن في إسناده محمَّد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد، والمشهور عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة (٢).

وعلى فرض صحته، فهو لا يقيد تحريم البيع بثمن مؤجل أكثر من الثمن الحال، بل يفيد أن المتبايعين إذا تفرقا دون تحديد وتعيين أحد الثمنين، فما يستحقه البائع هو أقل الثمنين إلى أبعد الأجلين كى لا يقعا في الربا المحرم بصورة قطعية (٣).

كما يجاب عنه بما قاله الشوكاني في حديث الصفقتين في صفقة المتقدم.


(١) "نيل الأوطار" (٥/ ١٧٢).
(٢) "نيل الأوطار" (٥/ ١٧١).
(٣) "فقه الإِمام الأوزاعى"، د. عبد الله محمَّد الجبورى (٢/ ١٨٩)، وزارة الأوقاف العراقية، إحياء التراث الإِسلامى: مطبعة الإرشاد، بغداد ١٣٩٧، ١٩٧٧ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>