للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولهم ببطلان البيع بثمن مؤجل يزيد على الحال خشية أن يكون ذريعة إلى الربا، فيكون بمنزلة جارية نقدًا وعشرة دنانير إلى شهر، بعشرين دينارًا إلى شهرين فيجاب عنه: بأنه لو رأى رجل جارية ثيِّبًا عند رجل فأعجبته، فسأله أن يزوجها إياه، فاشتراها منه بمائة دينار إلى سنة، فقبضها فوطئها فلم ينتقصها ذلك شيئًا ثم باعها منه بخمسين دينارًا إلى ذلك الأجل، فتكون قد رجعت له جاريته وبقى له خمسون دينارًا إلى ذلك الأجل، إنما ينبغي أن تبطل هذه الصورة ويجعل كأنه استأجرها بخمسين الدينار الزيادة ليطأها، وقد قال المخالفون بجوازها، فأجازوا ما ينبغي أن يبطل، وأبطلوا ما هو جائز من الزيادة مقابل الأجل (١).

وأما قولهم بأن الزيادة مقابل الأجل هى من باب الشرطين في بيع وسلف وبيع وقد نص صاحب المبسوط على عدم جوازهما لأنهما من باب الربا, لأن الزيادة مقابل الأجل فالجواب عنه:

أن قول صاحب المبسوط محمول على ما إذا ذكر ثمنين عاجلًا وآجلًا ولم يجدد أحدهما، والقول بالبطلان في هذه الحالة قول عامة الفقهاء بسبب الجهالة، وسدًا لذريعة الربا. ولقد جاء في كتاب المبسوط ما يدل صراحة على جواز زيادة الثمن مقابل الأجل إذا كان ذلك معلومًا للمتعاقدين حيث يقول: "وإذا اشترى شيئًا إلى أجلين وتفرقا عن ذلك لم يجز لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الشرطين في بيع، وإن ساومه على ذلك ثم قاطعه على أحدهما، وأمض البيع عليه جاز .. " (٢).

وأما القول بأن زيادة الثمن المؤجل من الحال في البيع بالتقسيط هى مقابل استغلال حاجة المشترى فتنتفي الرحمة والعدالة، فيرد عليه بأن العلماء حين قالوا بجواز بيع التقسيط قد قيدوا ذلك بشروط سنأتي على ذكرها، ومنها أن لا تتضمن الزيادة غبنًا فاحشًا للمشترى، علمًا بأن هذا الغبن ليس مقصورًا على البيع بالتقسيط بل قد يكون بالنقد، ولكن عند ضعف الوازع الديني، وغياب الحس الإيماني.

وبالإضافة إلى ما تقدم فهناك فروق جوهرية بين الربا والبيع بالنسيئة أبرزها ما يأتي:

١ - أن الربا زيادة أحد المتساويين على الآخر، ولا تساوى بين الشىء وثمنه مع اختلاف جنسهما، فلا يصح تحريم الزيادة في البيع بثمن مؤجل لكونها ربا (٣).


(١) كتاب الحجة.
(٢) "المبسوط" (١٣/ ٢٨).
(٣) "الروضة" (٢/ ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>