للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم (١): «والذي يظهر في الحديث -والله أعلم بمراد رسوله- أن الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبدًا، فهذا يحبط العمل جميعه، وترك معين في يوم معين، فهذا يحبط عمل ذلك اليوم، فالحبوط العام في مقابلة الترك العام، والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين، فإن قيل: كيف تحبط الأعمال بغير الردة؟ قيل: نعم، قد دلَّ القرآن والسنة والمنقول عن الصحابة أن السيئات تحبط الحسنات، كما أن الحسنات يذهبن السيئات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} (٢). وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} (٣).

قلت: هذا فيمن تركها مضيعًا لها، متهاونًا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها، والله أعلم.

٥ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوته صلاة العصر، فكأنما وُتِرَ أهلَه ومالَه» (٤) أي: فكأنما سُلب أهله وماله فأصبح بلا أهل ولا مال، وهذا تمثيل لحبوط عمله بتركها (٥) على النحو الذي تقدم.

أو يقال: المعنى: فليكن حذره من فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله.

[٣] صلاة المغرب: المغرب في الأصل: مِن غربت الشمس: إذا غابت وتوارت، ويطلق في اللغة على وقت الغروب ومَكانه، وعلى الصلاة التي تؤدى في هذا الوقت (٦).

ويطلق على المغرب كذلك العشاء، لكن يكره هذا لقوله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين-: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب» وتقول الأعراب: هي العشاء.

أول وقت المغرب: إذا غربت الشمس وغابت وتكامل غروبها، بالإجماع.

وهذا ظاهر في الصحاري، ويعرف في العمران بزوال الشعاع من رءوس الجبال وإقبال الظلام من المشرق، وطلوع النجم (٧).


(١) «الصلاة وحكم تاركها» (ص: ٤٣ - ٤٤).
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٦٤.
(٣) سورة الحجرات، الآية: ٢.
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (٥٥٢)، ومسلم (٦٢٦/ ٢٠٠).
(٥) «الصلاة» لابن القيم (٤٤).
(٦) «المصباح المنير»، «كشاف القناع» (١/ ٢٥٣).
(٧) «البدائع» (١/ ١٢٣)، و «المغنى» (١/ ٣٨١)، و «نيل الأوطار (٢/ ٥، ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>