للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقت الصبح إلى وقت الظهر وهم لا يقولون بذلك، ولذلك اضطروا إلى استثناء صلاة الصبح من ذلك، وهذا الاستثناء على ما بيَّنا من سبب الحديث يعود عليه بالإبطال، لأنه إنما ورد في خصوص صلاة الصبح، فكيف يصح استثناؤها؟! فالحق أن الحديث لم يرد من أجل التحديد، بل لإنكار إخراج الصلاة عن وقتها مطلقًا. اهـ.

قلت (أبو مالك): وأما حديث عائشة «حتى ذهب عامة الليل ....» فالمراد بعامة الليل: كثير منه وليس المراد أكثرهُ، ولابد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنه لوقتها» ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل، لأنه لم يقل أحد من العلماء: إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل (١).

فلا يبقى عند القائلين بامتداد وقت العشاء إلى الفجر (سواء للاختيار أو الضرورة) إلا حديث أنس: «أخَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلَّى ...» (٢) فإن صح حمله على أنه انتهى من الصلاة نصف الليل، ويكون قوله (ثم صلَّى) من تصرَّف الرواة، وإلا فالقول قولهم، والله أعلم.

ويستحب تأخير العشاء:

قد ورد في تأخير العشاء أخبار كثيرة صحاح، وهو مذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين (٣)، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» (٤) والحكمة فيه أنه أنفع في تصفية الباطن من الأشغال المُنْسية لذكر الله تعالى، وأقطع لمادة السمر بعد العشاء، لكن التأخير ربما يفضي إلى تقليل الجماعة، وتنفير القوم، فلهذا: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخِّر العشاء أحيانًا، وأحيانًا يعجِّل: إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطأوا أخَّر ...» (٥).

ويكره النومُ قبلها والحديثُ بعدها: لحديث أبي برزة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها» (٦) والعلة في كراهة النوم قبل صلاة


(١) «شرح مسلم» للنووي.
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٥٧٢).
(٣) «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٨٤).
(٤) صحيح: أخرجه الترمذي (١٦٧)، وابن ماجه (٦٩١)، وأحمد (٢/ ٢٤٥).
(٥) صحيح: أخرجه البخاري (٥٦٠)، ومسلم (٢٣٣) من حديث جابر.
(٦) صحيح: أخرجه البخاري (٥٦٨)، ومسلم (٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>