للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ب) أن التبكير بها داخل في عموم الأدلة على استحباب تعجيل الصلوات في أول أوقاتها، وسيأتي بعضها قريبًا.

(جـ) أن التبكير بها هو فعل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم (١).

(د) أن بعض العلماء -كالشافعي وأحمد- يحملون معنى الإسفار على تيقن طلوع الفجر وتبيينُّه، فلما احتمل الإسفار المعنيين كانت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا تحتمل إلا معنى واحدًا أولى.

وذهب الثوري وأبو حنيفة وصاحباه إلى أن الإسفار أفضل (٢)، واحتجوا بما يلي:

١ - حديث رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر» (٣) وأجاب ابن حبان عنه فقال: «أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (أسفروا) في الليالي المقمرة التي لا يتبين فيها وضوح طلوع الفجر، لئلا يؤدي المرء صلاة الصبح إلا بعد التيقُّن بالإسفار بطلوع الفجر، فإن الصلاة إذا أُديت كما وصفنا كان أعظم للأجر من أن تُصلىَّ على غير يقين من طلوع الفجر» اهـ (٤).

٢ - حديث ابن مسعود في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة وفيه: «وصلىَّ الفجر يومئذ قبل ميقاتها [بغلس] ....» الحديث. قالوا: فاعتبروا صلاته صلى الله عليه وسلم الفجر بغلس قبل وقتها المعروف عند ابن مسعود، فيكون وقتها المعهود الإسفار.

قلت: وهذا ليس صريحًا في الدلالة، فكونه صلى الفجر بغلس قبل موعده المعهود، لا ينافي أن يكون المعهود الغلس كذلك لكن متأخر عن هذا، ثم إنه يحتمل أن يكون قوله (قبل ميقاتها) على ظاهره!!

وقد جمع الطحاوي -رحمه الله، وهو حنفي- بين أدلة التغليس والإسفار بأن يدخل في الصلاة مغلسًا، ويطول القراءة حتى ينصرف عنها مسفرًا (٥).

قلت: وهذا فعل حسن، لكن يقوى مذهب الجمهور بتفضيل تعجيلها بغلس إذ الخلاف في وقت الدخول في الصلاة لا الخروج منها والله أعلم.


(١) انظر الآثار عنهم في «الأوسط» لابن المنذر (٢/ ٣٧٤ - وما بعدها) وورد الإسفار كذلك عن علي وعثمان.
(٢) «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٨٢)، و «شرح معاني الآثار» (١/ ١٨٤)، و «الأوسط» (٢/ ٣٧٧).
(٣) صحيح لغيره: أخرجه أبو داود (٤٢٤)، والترمذي (١٥٤)، والنسائي (١/ ٢٧٢)، وابن ماجه (٦٧٢).
(٤) «صحيح ابن حبان (٤/ ٣٥٩ - الإحسان).
(٥) «شرح معاني الآثار» (١/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>