للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يصح شيء منه لخصوص المجتهدين، الجامعين لشروط الاجتهاد المعروفة عند متأخري الأصوليين يحتاج إلى دليل يجب الرجوع إليه.

ولا دليل على ذلك البتة.

بل أدلة الكتاب والسنة دالة على وجوب تدبر الوحي، وتفهمه وتعلمه والعمل بكل ما علم منه، علمًا صحيحًا قليلاً كان أو كثيرًا. اهـ.

وكذلك كان الصحابة رضي الله عنه لا يدعون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد كائنًا من كان، وكان ابن عباس يقول: «يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!».

وكان الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إذا لم يكن لهما علم في المسألة يسألان الناس عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو بكر رضي الله عنه: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيها شيئًا- يعنى الجدة-وسأل الناس، فلما صلى الظهر قال: أيكم سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجدة شيئًا؟ فقال المغيرة بن شعبة: أنا، قال: ماذا قال؟ قال: أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسًا، قال: أيعلم ذلك أحد غيرك؟ فقال محمد بن مسلمة: صدق، فأعطاها أبو بكر السدس، وقصة سؤال عمر الناس في الغُرة ثم رجوعه إلى خبر المغيرة، وسؤاله إياهم في الوباء، ورجوعه إلى خبر عبد الرحمن ابن عوف، وغير ذلك ما هو كثير معلوم مروى في كتب السنة.

[التنبيه الثاني: الموقف من الأئمة المتبوعين]

أعلم أن مواقفنا من الأئمة- رحمهم الله- الأربعة وغيرهم، هو موقف سائر المسلمين المنصفين منهم، وهو موالاتهم ومحبتهم وتعظيمهم وإجلالهم والثناء عليهم بما هم عليه من العلم والتقوى، واتباعهم في العمل بالكتاب والسنة، وتقديمها على رأيهم، وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق وترك ما خالف الكتاب والسنة منها، وأما المسائل التي لا نص فيها، فالصواب النظر في اجتهادهم فيها، وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا، لأنهم أكثر علمًا وتقوى منا، ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضا الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه (١).


(١) «أضواء البيان» (٧/ ٥٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>