للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولتقريب هذا الموقف أحب أن ألقى الضوء على بعض الأمور:

(١) اعلم أن الأئمة- رحمهم الله- ليسوا معصومين وكل من الأئمة أُخذت عليه مسائل، قال العلماء: إنه خالف فيها السنة.

فهذا أبو حنيفة- رحمه الله وهو أكثرهم في ذلك لأنه أكثرهم رأيًا- يترك العمل بحديث القضاء بالشاهد واليمين في الأموال، وبحديث تغريب الزاني البكر وغير ذلك.

وأخذ على مالك إنكاره صيام الست من شوال، واستحسانه صيام الجمعة ولو مفردًا، لأنه لم يبلغه السنة فيهما، وترك مالك العمل بحديث خيار المجلس، وهو متفق عليه!! إلى غير ذلك.

وأخذ علي الشافعي قوله بنقض الوضوء من مجرد لمس المرأة بدون حائل، مع ورود ما يخالفه في السنة، على أن له أجوبة عليها.

وأخذ على أحمد: صوم يوم الشك احتياطًا لرمضان مع ورود النص بالنهى عن صومه، وغير ذلك.

وليس المقصود هنا انتقاص الأئمة وعيبهم فيما أخذ عليهم، لأنهم- رحمهم الله- بذلوا وسعهم في تعلم ما جاء عن الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اجتهدوا بحسب طاقتهم، فالمصيب منهم له أجر اجتهاده وإصابته، والمخطئ منهم مأجور في اجتهاده معذور في خطأه، وإنما قصدنا مع الاعتراف بعظم منزلتهم أن نبين أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجب تقديمها على أقوالهم، لأنهم غير معصومين من الخطأ (١).

(٢) ليُعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عامًّا يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقًا يقينيًّا على وجوب اتباع الرسول، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول جاء حديث صحيح بخلافه فلابد له من عذر في تركه (٢).


(١) انظر «أضواء البيان» (٧/ ٥٥٦ - ٥٧٦).
(٢) «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» من «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>