للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣) أن أعذار الأئمة- رحمهم الله- في مخالفة السنة، ثلاثة أصناف (١):

الأول: عدم اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله: وهذا له أسباب:

١ - أن لا يكون الحديث قد بلغه أصلاً، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالمًا بموجبه، وإذا لم يكن بلغه وقال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر أو بموجب قياس أو استصحاب، فقد يوافق ذلك الحديث تارة ويخالفه أخرى، وهذا هو السبب الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفًا لبعض الأحاديث، فإن الإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الأمة (٢).

٢ - أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده.

٣ - أن يعتقد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره مع قطع النظر عن طريق آخر، سواء كان الصواب معه أو مع غيره.

٤ - أن يشترط في خبر الواحد العدل الضابط شروطًا يخالفه فيها غيره، كاشتراط أن يكون فقيهًا إذا خالف قياس الأصول وغير ذلك.

٥ - أن يكون الحديث قد بلغه، وثبت عنده، لكن نسيه.

الصنف الثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول، ولهذا أسباب منها:

١ - عدم معرفة بدلالة الحديث: تارة لكون اللفظ في الحديث غريبًا عنده ومما يختلف العلماء في تفسيره، وتارة لكون معناه في لغته وعرفه غير معناه في لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة لكون اللفظ مشتركًا مجملاً، أو متردداً بين حقيقة ومجاز، فيحمله على الأقرب عنده، وإن كان المراد هو الآخر، كما حمل جماعة من الصحابة في أول الأمر: الخيط الأبيض والخيط الأسود على الحبل وغير ذلك.

وتارة لكون الدلالة من النص خفية، فإن دلالات الأقوال متسعة جدًّا، وإدراك وفهم وجوه الكلام متفاوت.

٢ - اعتقاده أنه لا دلالة في الحديث أصلاً، والفرق ببن هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، وهذا عرفها لكنه لم يعتقد أنها دلالة صحيحة.


(١) انظر «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» مع «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٢٣١ - ٢٩٠).
(٢) انظر أمثلة وقوع ذلك في الصحابة وغيرهم في المصدر السابق (٢٠/ ٢٣٤ - ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>