للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دلَّ على أنها ليست مرادة: مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفى الوجوب، أو غير ذلك عن المعارضات.

الصنف الثالث: اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره، أو لا يكون في الحقيقة معارضًا راجحًا.

فهذه الأسباب وغيرها أكثر ما قد يُعذر الإمام مخالفته الحديث من أجله، وهي في الحقيقة أسباب اختلافهم، رحمهم الله.

(٤) وإذا تقرر هذا، فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة من أهل العلم؛ إلى قول آخر قاله عالم يجوز أن يكون معه ما يدفع به هذه الحجة وإن كان أعلم، إذ تطرُّق الخطأ إلى آراء العلماء أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية، فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده بخلاف رأي العالم، والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دليل آخر، ورأى العالم ليس كذلك، والغرض أن العالم قد يكون في نفسه معذورًا في تركه للحديث، ونحن معذورون في تركنا لهذا الترك، وقد قال سبحانه: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (١) وقال سبحانه: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (٢).

وإذا كان الترك يكون لبعض هذه الأسباب (المتقدمة) فإذا جاء حديث صحيح فيه تحليل أو تحريم أو حكم، فلا يجور أن نعتقد أن التارك له من العلماء الذين وصفنا أسباب تركهم- يُعاقب، لكونه حلل الحرام أو حرَّم الحلال، أو حكم بغير ما أنزل الله، وكذلك إن كان في الحديث وعيد على فعل من لعنة أو غضب أو عذاب ونحو ذلك، فلا يجوز أن يقال: إن ذلك العالم الذي أباح هذا أو فعله داخل في هذا الوعيد، وهذا مما لا نعلم بين الأمة فيه خلافًا إلا شيئًا يحكى عن بعض معتزلة بغداد ... فمن لم يبلغه الحديث المحرِّم واستند في الإباحة إلى دليل شرعي أولى أن يكون معذورًا، ولهذا كان هذا مأجورًا محمودًا لأجل اجتهاده،


(١) سورة البقرة، الآية: ١٣٤.
(٢) سورة النساء، الآية: ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>