للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلقًا] وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، وهم أسعد بالحديث من الطائفتين فإنهم يقنتون حيث قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتركونه حيث تركه، فيقتدون به في فعله وتركه، ويقولون: فعله سنة، وتركه سنة، ومع هذا فلا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعله مخالفًا للسنة، كما لا ينكرون على من أنكره عند النوازل، ولا يرون تركه بدعة ولا تاركه مخالفًا للسنة، بل من قنت فقد أحسن، ومن تركه فقد أحسن» اهـ.

الراجح:

لا شك أن المداومة على قنوت الفجر لم تكن من هديه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، فيبقى الأمر دائرًا بين أن يكون سنة في النوازل فقط، أو أن يُفعل تارة ويترك أخرى، وإن كان الذي يظهر لي من خلال الأحاديث الثابتة في المسألة أن الأقرب أنه لا يقنت إلا في النازلة، لا للحديث الذي استُدل به لأصحاب المذهب الثالث، وإنما لأن الظاهر من الأحاديث المفضلة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الفجر فيها جميعًا الدعاء على قوم أو لقوم، وكذلك الذي ثبت عن عمر بن الخطاب ففيه: «.. وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن كفرة أهل الكتاب ... اللهم خالف بين كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردُّه عن القوم المجرمين .....» (١).

على أنني أُؤكد أن هذا لا يقتضي تبديع المخالف، ولا ترك الصلاة خلفه، فهذا من الجهل بدين الله سبحانه، الذي نبرأ إلى الله منه، ولله درُّ الإمام أحمد حين سئل: عن قوم يقنتون بالبصرة، كيف ترى في الصلاة خلف من يقنت؟ فقال: «قد كان المسلمون يصلون خلف من يقنت، وخلف من لا يقنت» اهـ (٢).

القنوت -في الفجر- يكون بعد الركوع: فإن الثابت في أحاديث أنس وابن عمر وأبي هريرة المتقدمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد القيام من الركوع، وبهذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق وهو رواية عن مالك.

وذهب مالك -في المشهور عنه- إلى أن محلَّه قبل الركوع، وهذا ثابت عن بعض الصحابة كعمر وعليِّ وابن عباس رضي الله عنهم، فالأمر واسع، لكن الأول أولى كما لا يخفى.


(١) إسناده صحيح: أخرجه عبد الرزاق (٤٩٦٩).
(٢) نقله عنه ابن القيم في كتاب «الصلاة وحكم تاركها» (ص: ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>