ولذلك فإن كل آية وكل حديث قد خالفا قوله فلا شك عندهم أن ذلك الإمام اطلع على تلك الآية وعلم معناها، وعلى ذلك الحديث وعلم معناه. وأنه ما ترك العمل بهما إلا لأنه اطلع على ما هو أقوى منهما وأرجح.
ولذلك يجب تقديم ذلك الأرجح الذي تخيلوه شيئًا من الوحي الموجود بين أيديهم.
وهذا الظن كذلك باطل بلا شك.
والأئمة كلهم معترفون بأنهم ما أحاطوا بجميع نصوص الوحي، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله.
ومِن أصرح ذلك أن الإمام مالكًا- رحمه الله- إمام دار الهجرة المجمع على علمه وفضله وجلالته، لما أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على العمل بما جمعه في موطئه لم يقبل ذلك من أبى جعفر ورده عليه. وأخبره أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في أقطار الدنيا، كلهم عنده علم ليس عند الآخر.
ولم يُجمع الحديث جمعًا تامًا بحيث أمكن جمع جميع السنة إلا بعد الأئمة الأربعة.
لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تفرقوا في أقطار الدنيا روى عنهم كثير من ألأحاديث لم يكن عند غيرهم، ولم يتيسر الاطلاع عليه إلا بعد أزمان.
وكثرة علم العالم لا تستلزم اطلاعه على جميع النصوص.
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو عجز عن أن يفهم معنى الكلالة حتى مات رضي الله عنه.
وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها كثيرًا فبينها له ولم يفهم.
فقد ثبت عنه رضي الله عنه أنه قال: ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بأصبعه في صدري، وقال:«يكفيك آية الصيف في آخر سورة النساء».
فهذا من أوضح البيان، لأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بآية الصيف {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ