للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية -رحمه الله-: «فهذا القول الذي نصرناه هو الذي يستعمل فيه جميع الأحاديث، لا يترك منها حديث، مع استعمال القياس الصحيح فيما لم يرد فيه نص، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما يشبهه من المنصوص» اهـ.

إذا سها عن سجود السهو، وحصل فصل أو نقض للوضوء: فهل يبنى على صلاته ويسجد للسهو؟ أم يستأنف الصلاة من جديد؟

(أ) أما إذا وقع فصل طويل -ما لم ينتقض الوضوء- فللعلماء فيه قولان:

الأول يستأنف الصلاة من جديد: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد (١)، قالوا: لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل، كما لو انتقض وضوؤه.

الثاني: يبني على صلاته ويسجد للسهو ما لم ينتقض الوضوء: وهو قول لمالك والقديم للشافعي وبه قال يحيى بن سعيد الأنصاري والليث والأوزاعي وابن حزم وابن تيمية إلا أنه خصَّه بما كان بعد السلام (٢).

قالوا: لأن طول الفصل ليس له حد منضبط، وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم ساهيًا وتكلَّم وراجع وخرج من المسجد ودخل بيته ثم عرف فخرج فأتم ما بقي من صلاته وسجد لسهوه سجدتين.

ولأنه مأمور بإتمام صلاته وسجوده للسهو فوجب، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من نسى صلاة أو نام عنها فكفَّارتها أن يصليها إذا ذكرها» (٣).

قلت: وهذا مذهب قوي، لكن من أراد أن يحتاط لنفسه فيعيد الصلاة، فله ذلك والله أعلم.

(ب) وأما إذا انتقض وضوؤه بعد ما سلم من صلاته الناقصة، بطلت صلاته بالاتفاق. فإن كان سها عن السجود -بعد السلام- لزيادة في صلاته، جاز أن يسجدها وإن حدث (نقض للوضوء) لأنهما ترغيم للشيطان، كما قال ابن تيمية (٤) قلت: يعني يتوضأ ويسجد للسهو، وهذا قوي ومتجه.


(١) «المبسوط» (١/ ٢٢٤)، و «المدونة» (١/ ١٣٥)، و «المجموع» (٤/ ١٥٦)، و «المغنى» (٢/ ١٣).
(٢) «المدونة» (١/ ١٣٥)، و «المحلى» (٤/ ١٦٦)، و «مجموع الفتاوى» (٢٣/ ٣٢ - ٣٥).
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (٦٨٤)، والنسائي (٦١٤)، وعند البخاري (٥٩٧) نحوه.
(٤) «مجموع الفتاوى» (٢٣/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>