ولم يعلم عمر رضي الله عنه بأن المرأة ترث من دية زوجها. حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه: أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها.
ولم يعلم أيضًا بأخذ الجزية من المجوسي حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.
ولم يعلم بحكم الاستئذان ثلاثًا حتى أخبره أبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهما.
ولم يعلم عثمان رضي الله عنه بوجوب السكنى للمتوفى عنها حتى أخبرته قريعة بنت مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: ألزمها بالسكنى في المحل الذي مات عنها زوجها في حتى تنقضي عدتها.
وأمثال هذا أكثر من أن تحصر.
فهؤلاء الخلفاء الراشدون- وهم هم، خفي عليهم قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه مع ملازمتهم له، وشدة حرصهم على الأخذ منه. فتعلموه ممن هو دونهم في الفضل والعلم.
فما ظنك بغيرهم من الأئمة الذين نشأوا وتعلموا بعد تفوق الصحابة في أقطار الدنيا؟ وروى عنهم الأحاديث عدول من الأقطار التي ذهبوا إليها؟
والحاصل أن ظن إحاطة الإمام بجميع نصوص الشرع ومعانيها ظن لا يغنى من الحق شيئًا، وليس بصحيح قطعًا.
لأنه لا شك أنه يفوته بعض الأحاديث فلم يطلع عليها، ويرويه بعض العدول عن الصحابة فيثبت عند غيره.
وهو معذور في ترك العمل به، بعدم اطلاعه عليه مع أنه بذل المجهود في البحث.
ولذا كان له أجر الاجتهاد والعذر في الخطأ.
وقد يكون الإمام اطلع على الحديث، ولكن السند الذي بلغه به ضعيف فيتركه لضعف السند. ويكون غيره اطلع على رواية أخرى صحيحة يثبت بها الحديث فهو معذور في تركه، لأنه لم يطلع إلا على السند الضعيف ولم تبلغه الطريق الصحيحة الأخرى.