للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليؤمكم أكثركم قرآنًا» فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني، لما كنت أتلقَّى من الرُّكبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين ... الحديث (١).

٤ - وعن ابن عمر قال: «لما قدم المهاجرون الأوَّلون العصبة -موضع بقباء- قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا» (٢) وكان سالم حينئذ عبدًا لمَّا يُعتقْ فتقدمهم مع شرفهم.

المذهب الثاني: الأفقه أولى من الأقرأ: وهو مذهب مالك والشافعي، ورواية عن أبي حنيفة وأحمد. وحجتهم:

١ - أنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه فيكون أولى، كالإمامة الكبرى والحكم.

٢ - أجابوا عن الأحاديث المتقدمة بأن الأقرأ من الصحابة هو الأفقه، لأنهم ما كانوا يقرأون عشر آيات حتى يفهموا معانيها وما فيها من العلم والعمل وأجيب بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» فيه دليل على تقديم الأقرأ مطلقًا.

٣ - تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ليصلي بالناس -في مرضه- ولم يكن أقرأهم، وأجيب: بأن تقديم أبي بكر كان إشارة إلى استخلافه على الناس، والخليفة أحق بالإمامة وإن كان غيره أقرأ منه.

والراجح: أن الأقرأ هو الأحق بالإمامة لكن بشرط «أن يكون عارفًا بما يتعيَّن معرفته من أحوال الصلاة، فأما إن كان جاهلاً بذلك فلا يُقدَّم اتفاقًا» (٣).

ثم تبقى مسألة: ما المراد بالأقرأ؟ فقال الجمهور: أحسنهم قراءة، وقال بعض الحنابل: الأكثر حفظًا، قلت: نعم، الأكثر حفظًا لظاهر الأحاديث المتقدمة لكن بشرط صحة القراءة وتمامها وخروج كل حرف من مخرجه.

تنبيه: لا ينبغي تقديم من لا يستحق الإمامة، لأجل تَعَنِّيه بالقراءة:

فعن عابس الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّف على أمته ستَّ


(١) صحيح: أخرجه البخاري (٤٣٠٢)، وأبو داود (٥٨٥)، والنسائي (٢/ ٨٠)، وأحمد (٣/ ٤٧٥).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٦٩٢)، وأبو داود (٥٨٨).
(٣) «فتح الباري» (٢/ ١٧١) ط. المعرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>