وإن كانت الآية تدل على نوع تقليد في الجملة، فهي لا تدل على التقليد الذي قدمنا أنه لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو تقليد العامي الذي تنزل به النازلة عالمًا من العلماء، وعمله بما أفتاه به من غير التزام منه لجميع ما يقوله ذلك العالم، ولا تركه لجميع ما يقوله غيره.
وأما استدلالهم بالحديث الوارد في الرجل الذي أصابته شجة في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه: هل يعلمون له رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نرى لك رخصة وأنت قادر على أداء، فاغتسل فمات.
فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال:«قتلتوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العيى السؤال».
فهو استدلال أيضًا في غير محله، وهو حجة أيضًا على المقلدين لا لهم.
قال في إعلام الموقعين في بيان وجه ذلك ما نصه:
إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرشد المستفتين كصاحب الشجة بالسؤال عق حُكمه، وسنته فقال: قتلوه قتلهم الله، فدعا عليهم حين أفتوا بغير علم.
وفى هذا تحريم الإفتاء. فإنه ليس علمًا باتفاق الناس.
فإنما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاعله، فهو حرام وذلك أحد أدلة التحريم.
فما احتج به المقلدون هو من أكبر الحجج عليهم. اهـ.
(١٠) مناظرة مقلد:
ذكر الإمام ابن عبد البر- رحمه الله- في كلامه في ذم التقليد ومنعه، بعد ما بين ذلك بالآثار، أن جماعة من الفقهاء وأهل النظر احتجوا على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية، فقال (١):
«فأحسن ما رأيت من ذلك قول المزني- رحمه الله-: يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فأن قال: نعم، أبطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد.