قالوا: وكان هذا في مرضه صلى الله عليه وسلم الذي توفى فيه وقد صلى خلفه أبو بكر والناس قيامًا فدلَّ على نسخ الحكم الأول، وأُجيب عن هذا من أوجه منها:
١ - أن أبا بكر كان هو الإمام والنبي صلى الله عليه وسلم مقيد به كما في بعض الروايات، وتُعقِّب بأن هذه الروايات لو صحَّت لحُملت على تعدد الصلوات، فقد كان مرضه صلى الله عليه وسلم اثنى عشر يومًا فيه ستون صلاة.
٢ - قال الإمام أحمد: ليس فيه حجة، لأن أبا بكر كان ابتدأ الصلاة قائمًا، وإذا ابتدأ الصلاة قائمًا صلوا قيامًا، فأشار إلى الجمع بين الحديثين، بحمل الأول على ما إذا ابتدأ الصلاة جالسًا، والثاني على ما إذا ابتدأ الصلاة قائمًا ثم اعتلَّ فجلس، قال: ومتى أمكن الجمع بين الحديثين وجب ولم يحمل على النسخ.
وتُعقِّب: بأنه يردُّه ما في حديثي جابر وعائشة من إشارته صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بالقعود بعد أن كانوا ابتدءوا الصلاة قيامًا، وأجيب عن هذا التعقُّب: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ابتدأ قاعدًا فكان قد لزمهم الجلوس لجلوسه بخلاف اقتدائهم بالصدِّيق فإن إمامهم في ابتدائه الصلاة كان قائمًا فكان القيام لازمًا لهم فاستمروا عليه.
٣ - أن الحديث ليس فيه أن غير أبي بكر كانوا قيامًا فلعلَّهم كانوا قعودًا، ويدُّ عليه أن الناس كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر، ولو كانوا قيامًا لما اقتدى بصلاته إلا الصف الأول لأن بقية الصفوف يحجبهم عنه الصف الأول، قاله ابن حزم، وتعقَّبه العراقي من أوجه سلم له بعضها، من ذلك: أن الصحابة كانوا
أول صلاتهم قيامًا خلف أبي بكر فمن زعم تغيرهم عن هذه الحال فهو محتاج إلى دليل، بل الظاهر أنه لو وقع لنُقل، ومنها أن المراد باقتدائهم بأبي بكر، اقتداؤهم بصوته لا بمشاهدته.
٤ - على فرض ثبوت صلاة الصحابة قيامًا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد، فإنه لا يدلُّ على النسخ، بل على الإباحة فقط وبيان أن أمرهم المتقدم بالقعود للندب لا للوجوب، وأجيب بأن هذا مردود بأن الأمر لا يكون على الندب مع تأكيده صلى الله عليه وسلم له بإشارته به وهو في الصلاة ثم تصريحه بذلك بعد سلامه ثم تشبيه فعلهم بفعل الكفرة المجوس، فهذه قرائن تدل على أن النهي للتحريم.
(ب) ادِّعاء أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم: وهذا هو المشهور من قول