للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك (١) وجماعة من أصحابه، وأيَّدوه بما يُروى مرفوعًا: «لا يؤمَّنَّ أحد بعدي جالسًا» (٢) وبأن الخلفاء لم يؤمَّ أحد منهم جالسًا؟!! وأُجيب عنه: بأن الأصل عدم الخصوصية حتى يقوم الدليل على ذلك، والحديث المروي ضعيف لا يصح، وأما الاستدلال بترك الخلفاء الإمامة عن قعود فأضعف، فإن ترك الشيء لا يدل على تحريمه، فلعلَّهم اكتفوا بالاستنابة للقادرين.

(جـ) تأويل قوله: «فصلوا جلوسًا» فقالوا: هو محمول على معنى (إذا جلس للتشهد فتشهدوا قعودًا)!! وأجيب: بأن هذا تحريف للخبر عن عمومه بغير دليل، وسياق الأحاديث في الجملة يمنع من سبق الفهم إلى هذا التأويل، ومن ذلك إشارته صلى الله عليه وسلم لهم بالجلوس، وكذلك التعليل بموافقة الأعاجم.

٢ - (من أدلة المانعين) أن القيام ركن قدر عليه المأموم، فلم يجز له تركه كسائر الأركان.

٣ - أن لكل منهم فرضه ففرض الإمام القعود، وفرضهم القيام.

الراجح في المسألة:

لا شك أن كلا القولين له وجه معتبر، وإن كان الأظهر القول الأول مع اعتبار حال الإمام عند ابتداء الصلاة، فإن ابتدأها جالسًا لزمهم الجلوس، وإن ابتدأها قائمًا لزمهم القيام، فإن طرأ عليه القعود لعذر، فهل يقعدون أو يقومون؟ هذا موضع اجتهاد، وإن كان التعليل بمشابهة الأعاجم يقوِّي جلوسهم.

وأما المصير إلى النسخ فلا أراه قويًّا لبعض الأوجه المتقدمة، ولأن القول به يستلزم النسخ مرتين: لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدًا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدًا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد، بل هو خلاف قاعدة الأحكام.

ويردُّ دعوى النسخ كذلك أنه فعله أربعة من الصحابة -وقيل ستة- ولم يُعلم لهم منهم مخالف حتى قال ابن حبان: وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته. اهـ.


(١) لأجل هذا فإن مذهب مالك أنه لا تصح صلاة القادر على القيام خلف القاعد أصلاً، وانظر «المدونة» (١/ ٨١)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٩٧).
(٢) إسناده تالف. أخرجه الدارقطني (١/ ٣٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>