للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم أن يقيموا جماعة أخرى من غير كراهة، والأصل في هذا حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده فقال: «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» (١). وقد فعله أنس بن مالك، فعن أبي عثمان قال: «أتانا أنس ابن مالك في مسجد بني ثعلبة فقال: «صليتم؟» -وذلك صلاة الغداة- فقلنا: نعم، فقال لرجل: أذِّن، فأذَّن وأقام ثم صلى في جماعة» (٢).

وعن سلمة بن كهيل أن «ابن مسعود دخل المسجد» وقد صلوا، فجمع بعلقمة والأسود ومسروق» (٣).

ولا يُعرف لهما مخالف من الصحابة، ولأن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد كما تقدم.

الحالة الثانية: أن يكون أمرًا معتادًا راتبًا متواطأ عليه، كأن يتفق كل طائفة (أصحاب مذهب أو نحو ذلك) على أن يصلوا في ناحية من المسجد أو في وقت محدد غير وقت الطائفة الأخرى، فهذا لا شك في كراهته لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصدر الأول، ولما فيه من تفرُّق كلمة المسلمين، ولما فيه من الدعوة إلى الكسل عن الجماعة الأولى بحجة انتظار الثانية، فيحصل التواني عن الحضور.

وهذا هو ملحظ مالك والشافعي حينما كرها تكرار الجماعة في المسجد الواحد، كما صرَّحا به، والله أعلم.

من صلى منفردًا ثم أتى مسجد جماعة فليصلِّ معهم:

وهذا مستحب لتحصيل فضل الجماعة، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين رآهما خلف الصف لم يصليا -وقد صليا في رحالهما-: «فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة، فصليا معهم فإنها لكما نافلة» (٤).

وعن أبي ذرٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون


(١) صحيح بطرقه: أبو داود (٥٧٤)، والترمذي (٢٢٠)، وأحمد (٣/ ٥، ٤٥) وغيرهم.
(٢) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ٣٢١)، وعبد الرزاق (٣٤١٧)، وابن المنذر (٤/ ٢١٥).
(٣) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (٢/ ٣٢٣)، وابن المنذر (٤/ ٢١٦)، وله شاهد عند عبد الرزاق (٢٨٨٤).
(٤) صحيح: تقدم مرارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>