للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا النوع من الفقه هو أصلاً حظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألقوه إلى التابعين لهم بإحسان، وهكذا تلقفه من تبعهم بالحسنى فدونوه على هذا النمط الكريم والمنهج السليم (١).

وهدا النوع من الفقه في الدين هو ما عناه ابن القيم- رحمه الله تعالى- في فاتحة «تهذيب السنن» بقوله (٢):

«فإن أولى ما صرفت إليه العناية، وجرى المتسابقون في ميدانه إلى أفضل غاية تتنافس فيه المتنافسون، وشمَّر إليه العاملون: العلم الموروث عن خاتم المرسلين، ورسول رب العالمين، الذي لا نجاة لأحد إلا به، ولا فلاح له في داريه إلا بالتعلق بسببه، الذي من ظفر به فقد فاز وغنم، ومن صرف عنه فقد خسر وحُرم؛ لأنه قطب السعادة الذي مدارها عليه، وآخيَّة الإيمان الذي مرجعه إليه، فالوصول إلى الله وإلى رضوانه بدونه محال، وطلب الهدى من غير هو عين الضلال، وكيف يوصل إلى الله من غير الطريق التي جعلها هو سبحانه موصلة إليه، ودالة لمن سلك فيها عليه، بعث رسوله بها مناديًا، وأقامه على أعلامها داعيًا، وإليها هاديًا؛ فالباب عن السالك في غيرها مسدود، وهو عن طريق هداه وسعادته مصدود، بل كلما ازداد كدحًا واجتهادًا، ازداد من الله طردًا وإبعادًا، ذلك بأنه صدف عن الصراط المستقيم، وأعرض عن المنهج القويم، ووقف مع آراء الرجال، ورضى لنفسه بكثرة القيل والقال، وأخلد إلى الأرض التقليد، وقنع أن يكون عيالاً على أمثاله من العبيد، لم يسلك من سبل العلوم مناهجها، ولم يرتق في درجاته معارجها، ولا تألقت في خلده أنوار بوارقه، ولا بات قلبه يتقلب بين رياضه وحدائقه، لكنه ارتضع من ثدي من لم تطهر بالعصمة لبانه، وورد مشربًا آجنًا طالما كدره قلب الوارد ولسانه، تضح منه الفروج والدماء والأموال، إلى من حلَّل الحلال وحرم الحرام، وتعج منه الحقوق، إلى منزِّل الشرائع والأحكام، فحق


(١) في كشف هذا الطور الفقهى البناء انظر: «إعلام الموقعين» (١/ ٥ - ٦ وما بعدها). وكتاب «الفكر السامي في تاريخه الفقه الإسلامى» للحجوى.
(٢) انظر: «تهذيب سنن أبى داود» (١/ ٥ - ٧) طبع سنة ١٣٦٧ هـ بمطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر، بتحقيق الشيخين أحمد شاكر، ومحمد الفقهى. وانظر في هذا المعنى: كتاب «الأحكام» لابن حزم: (٦/ ١٠٣، ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>