للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم ينقل عن واحد من الصحابة ما يخالف قول عمر وابنه وابن عباس، بل استمر العمل والفتوى على ذلك في عهد التابعين وفي زمان عمر بن عبد العزيز، وكذلك اتفق فقهاء التابعين ومن بعدهم على القول بوجوب الزكاة في أموال التجارة.

حتى نقل ابن المنذر وأبو عبيد الإجماع على ذلك، إلا قولاً ذكره أبو عبيد ولم ينسبه لقائل ثم قال عقبه: «وأما القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا» اهـ.

(ء) وأما القياس:

فالعروض المتخذة للتجارة: مال مقصود به التنمية، فأشبه الأجناس الثلاثة التي تجب فيها الزكاة (النقدين، والماشية، والزروع).

(هـ) وأما من جهة النظر والاعتبار:

-فإن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود معنى، لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها، إلا في كون النصاب يتقلب ويتغير بين الثمن وهو النقد، والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة، لأمكن لجميع الأغنياء أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم، ويتحروا ألا يحول الحول على نصاب من النقدين أبدًا، وبذلك تعطل الزكاة فيهما عندهم (١).

ثم إن أحوج الناس إلى تطهير أنفسهم وأموالهم وتزكيتها هم التجار، فإن طرائقهم في الكسب لا تسلم من شوائب وشبهات:

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة» (٢).

فائدة (٣): قد نقل الإجماع على وجوب الزكاة في عروض التجارة: ابن المنذر وأبو عبيد وعنهما جماعة من أهل العلم وفيه نظر، لأن الخلاف في المسألة قديم -كما ذكر الشافعي وغيره- وخالف فيها الظاهرية كما سيأتي.


(١) «تفسير المنار» لرشيد رضا (١٠/ ٥٩١).
(٢) أبو داود (٣٣٢٦)، والترمذي (١٢٠٨)، والنسائي (٣٧٩٧)، وابن ماجه (٢١٤٥) وهو صحيح.
(٣) «الإجماع» (١٤)، و «الأموال» (٤٢٩)، وانظر «المجموع» (٦/ ٤٧)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢٥٤)، و «الروضة الندية» (١/ ٢٨٦)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (٣/ ٣٦، ٤٤) ط. الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>