بل يجوز إعطاء الغني لذلك، فإنه لا يأخذ لمصلحة نفسه، بل لحاجة عامة المسلمين، فلم يشترط فيه الفقر، وقال الحنفية: إن كان الغازي غنيًّا، وهو من يملك خمسين درهمًا أو قيمتها من الذهب كما تقدم في صنف الفقراء -فلا يعطى من الزكاة، وإلا فيعطى، وإن كان كاسبًا؛ لأن الكسب يقعده عن الجهاد، وعند محمد: الغازي منقطع الحاج لا منقطع الغزاة، وصرح المالكية بأنه يشترط في الغازي أن يكون ممن يجب عليه الجهاد، لكونه مسلمًا ذكرًا بالغًا قادرًا، وأنه يشترط أن يكون من غير آل البيت. وأما جنود الجيش الذين لهم نصيب في الديوان فلا يعطون من الزكاة، وفي أحد القولين عند الشافعية: إن امتنع إعطاؤهم من بيت المال لضعفه، يجوز إعطاؤهم من الزكاة. الضرب الثاني: مصالح الحرب وهذا الضرب ذكره المالكية، فالصحيح عندهم أنه يجوز الصرف من الزكاة في مصالح الجهاد الأخرى غير إعطاء الغزاة، نحو بناء أسوار للبلد لحفظها من غزو العدو، ونحو بناء المراكب الحربية، وإعطاء جاسوس يتجسس لنا على العدو، مسلمًا كان أو كافرًا، وأجاز بعض الشافعية أن يشتري من الزكاة السلاح وآلات الحرب وتجعل وقفًا يستعملها الغزاة ثم يردونها، ولم يجزه الحنابلة، وظاهر صنيع سائر الفقهاء -إذ قصروا سهم سبيل الله على الغزاة، أو الغزاة والحجاج -أنه لا يجوز الصرف منه في هذا الضرب، ووجهه أنه لا تمليك فيه، أو فيه تمليك لغير أهل الزكاة، أو كما قال أحمد: لأنه لم يؤت الزكاة لأحد، وهو مأمور بإيتائها.
الضرب الثالث: الحجاج: ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والشافعية والثوري وأبو ثور وابن المنذر وهو رواية عن أحمد، وقال ابن قدامة: إنه الصحيح) إلى أنه لا يجوز الصرف في الحج من الزكاة؛ لأن سبيل الله في آية مصارف الزكاة مطلق، وهو عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، لأن الأكثر مما ورد من نذكره في كتاب الله تعالى قصد به الجهاد. فتحمل الآية عليه. وذهب أحمد في رواية، إلى أن الحج في سبيل الله فيصرف فيه من الزكاة، لما روى (أن رجلاً جعل ناقته في سبيل الله، فأرادت امرأته أن تحج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله» (١) فعلى هذا القول لا يعطى من الزكاة من كان له مال يحج به سواها، ولا يعطى إلا لحج الفريضة خاصة، وفي قول عند الحنابلة: يجوز حتى في حج التطوع. وينقل عن بعض فقهاء الحنفية أن مصرف «في سبيل الله» هو لمنقطع الحجاج. إلا أن مريد الحج يعطى من الزكاة عند الشافعية على أنه ابن سبيل كما يأتي.
(١) صحيح: أخرجه أبو داود (١٩٧٤)، والحاكم (١٨٣٨)، والبيهقي (٦/ ١٦٤).