للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يشترط تبييت النية في صيام التطوع؟

تقدم حديث: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له».

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: «هل عندكم شيء؟» فقلنا: لا، قال: «فإني إذا صائم» ثم أتانا يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله، أهدى لنا حَيْس، فقال: «أرينيه، فلقد أصبحت صائمًا» فأكل (١).

وقد اختلف أهل العلم، في حكم تبييت النية في صيام التطوع، لهذين الحديثين، فسلك الجمهور مسلك الجمع، فحملوا حديث حفصة على صيام الفرض، وحديث عائشة على صيام التطوع، والنية في صوم النافلة من النهار قبل الزوال، وبعضهم بعده، قال شيخ الإسلام (٢) بعد حديث عائشة: «وهذا يدل على أنه أنشأ الصوم من النهار، لأنه قال: «فإني صائم»، وهذه الفاء تفيد السبب والعلة، فيصير المعنى: إني صائم لأنه لا شيء عندكم، ومعلوم أنه لو قد أجمع الصوم من الليل، لم يكن صومه لهذه العلة، وأيضًا: فقوله: «فإني إذن صائم»، و (إذن) أصرح في التعليل من الفاء ...» اهـ.

وأيدوا استدلالهم بأن هذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت إنشاء نية صوم التطوع من النهار عن: ابن مسعود، وابن عباس، وأبي أيوب، وأبي الدرداء وحذيفة وأبي طلحة رضي الله عنهم.

واستدلوا كذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالصوم يوم عاشوراء، وكان مفروضًا قبل فرض رمضان: «من أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم» (٣).

وذهب مالك والليث وابن حزم وتبعه الشوكاني مذهب الترجيح، فأخذوا بحديث حفصة، فلم يفرقوا بين صوم النفل والفرض في اشتراط تبييت النية، وقالوا:

إن قوله صلى الله عليه وسلم -في حديث حفصة- «لا صيام» نكرة في سياق النفي فيعم كل صيام، ولا يخرج عنه إلا ما قام الدليل على أنه لا يشترط فيه التبييت (٤).

وأجابوا عن حديث عائشة بأنه ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن نوى الصيام من


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١٤٥١).
(٢) «شرح العمدة» (١/ ١٨٦).
(٣) صحيح: تقدم قريبًا.
(٤) «نيل الأوطار» (٤/ ٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>