للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينه الصائم عن ذلك دلَّ على جواز تطيبه وتبخره وادَّهانه، وكذلك اكتحاله، وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم إما في الجهاد، وإما في غيره، مأمومة وجائفة، فلو كان هذا يفطر لبين ذلك».

وقال -رحمه الله (١) -: «والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر ... لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، فأقوى ما احتجوا به قوله: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» (٢).

قال (٣): «وهو قياس ضعيف، وذلك لأن من نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه، فحصل بذلك ما يحصل للشارب بفمه ويغذى بدنه من ذلك الماء، ويزول العطش، ويطبخ الطعام في معدته كما يحصل بشرب الماء، فلو لم يرد النص بذلك لعلم بالعقل أن هذا من جنس الشرب فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم، وذلك غير معتبر، بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر، فليس هو مفطرًا، ولا جزءً من المفطر لعدم تأثيره، بل هو طريق إلى المفطر، وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة، فإن الكحل لا يغذى البتة، ولا يدخل أحد كحلاً إلى جوفه لا من أنفه ولا فمه، وكذلك الحقنة [يعني الشرجية] لا تغذى، بل تستفرغ ما في البدن كما لو شم شيئًا من المسهلات أو فزع فزعًا أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة.

والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه ...» اهـ.

وقد أطال -رحمه الله- الكلام في إبطال هذا القياس، والذي يتحصل:

- أن النص قد أثبت الفطر بالأكل والشرب وهذه الأمور لا تسمى أكلاً ولا شربًا ولا يقصد بها أكل أو شرب، وعليه فإن الحقن المعروف والإبر بأنواعها لا تفطر إلا أن تكون للتغذي فموضع نظر.

- أن ما يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب يلحق به.


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٢٣٥)، وانظر «المحلى» (٦/ ٢١٥).
(٢) صحيح: سبق تخريجه.
(٣) «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>