للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يباح له الفطر ذلك اليوم، ووجه ذلك: أن الصوم عبادة تختلف بالحضر والسفر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة (١).

وذهب أحمد وإسحاق والحسن -وهو اختيار ابن تيمية، وهو الراجح في المسألة -إلى جواز الفطر في ذلك اليوم (٢)، لعموم قوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٣). ولحديث جابر المتقدم قريبًا في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح، وفيه: «... فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه» (٤).

ونحوه حديث ابن عباس ففيه: «.. ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان ...» (٥).

ويؤيد هذا المذهب كذلك حديث محمد بن كعب قال: «أتيت -في رمضان- أنس بن مالك، وهو يريد سفرًا، وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ فقال: سنة، ثم ركب» (٦).

وعن عبيد بن جبير قال: «ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان، فدفع ثم قرب غداؤه، ثم قال: اقترب، فقلت: ألست بين البيوت؟ فقال أبو بصرة: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» (٧).

تنبيه: في الحديثين الأخيرين دليل على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه، قال ابن العربي: وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر، وهذا هو الحق (٨) اهـ.

وقد منع الجمهور من الفطر قبل مغادرة بلده، لأنه قبل المغادرة لا يكون على سفر بل هو ناو للسفر، لكن ...


(١) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٤٣١)، و «القوانين» (١٠٦)، و «المجموع» (٦/ ٢٦١).
(٢) «الإنصاف» (٣/ ٢٨٩)، و «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٢١٢).
(٣) سورة البقرة: ١٨٥.
(٤) صحيح: تقدم قريبًا.
(٥) صحيح: أخرجه البخاري (١٩٤٨).
(٦) صححه الألباني: أخرجه الترمذي (٧٩٩)، والبيهقي (٤/ ٢٤٧)، والدارقطني (٢/ ١٨٧)، والضياء في «المختارة» (٢٦٠٢) وغيرهم، وللعلامة الألباني رسالة في تصحيحه فلتراجع.
(٧) أخرجه أبو داود (٢٤١٢)، وأحمد (٦/ ٣٩٨)، والدارمي (١٧١٣)، والبيهقي (٤/ ٢٤٦) وانظر الرسالة المشار إليها قبله.
(٨) «نيل الأوطار» (٤/ ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>