للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف أهل العلم في فقه هذا الحديث على قولين:

الأول: جواز صيام السبت تطوعًا ولو مفردًا: وهذا مذهب مالك، ويفهم من كلام أحمد، واختاره ابن تيمية وابن القيم (١)، وهؤلاء ضعَّفوا الحديث، وقدموا عليه الأحاديث الصحاح التي تحث على صيام عرفة وست من شوال وعاشوراء وصيام ثلاثة أيام البيض وصيام يوم وإفطار يوم، فلابد أن يوافق أحد هذه الأيام يوم السبت!!

وكذلك حديث صيام يوم قبل الجمعة أو يومًا بعده، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لجويرية لما صامت الجمعة: «أتريدين أن تصومي غدًا»؟ ... وكل هذا تقدم.

الثاني: كراهة إفراد السبت بالصيام: وهو مذهب الجمهور: الحنفية والشافعية والحنابلة (٢)، وقد حملوا هذا الحديث على المنع من إفراده بالصوم لأنه تشبه باليهود، وأيدوا هذا بما رُوى عن ابن عباس أن أم سلمة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت والأحد، كان يقول: «إنهما عيدان للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم» (٣).

قلت: أما حديث عبد الله بن بسر فقد تضافرت أقوال الأئمة على إعلاله، وعليه فلا حرج في صيامه لا سيما إن وافق يومًا ندب الشرع إلى صيامه، والله أعلم.

كراهة وِصال الصوم:

يكره مواصلة الصوم ومتابعة بعضه بعضًا دون فطر أو سحور، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والوصال» -قالها ثلاثًا- قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: «إنكم لستم في ذلك مثلي، إني ابيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» (٤) لكن إذا لم تكن هناك مشقة فلا بأس بالوصال إلى السحر فقط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» (٥).


(١) «الإنصاف» (٣/ ٣٤٧)، و «اقتضاء الصراط المستقيم» (٢/ ٥٧٥)، و «مختصر السنن» (٣/ ٢٩٨).
(٢) «المجموع» (٦/ ٤٤٠)، و «البدائع» (٢/ ٧٩)، و «المغنى» (٤/ ٤٢٨).
(٣) ضعيف: أخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٧٧٦)، وأحمد (٦/ ٣٢٣) وغيرهما بسند ضعيف.
(٤) صحيح: أخرجه البخاري (١٩٦٦)، ومسلم (١١٠٣) عن أبي هريرة.
(٥) صحيح: أخرجه البخاري (١٩٦٧)، وأبو داود (٢٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>