للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٦ - أقل مدة للاعتكاف (١):

ذهب الجمهور ومنهم أبو حنيفة والشافعي إلى أن زمان الاعتكاف لا حَدَّ لأَقلِّه، وقال مالك: أقله يوم وليلة، وعنه: ثلاثة أيام، وعنه: عشرة أيام.

والظاهر أن من اعتقد أن من شرط الاعتكاف الصوم، قال: لا يجوز اعتكافه ليلة، فلا أقل من يوم وليلة إذ انعقاد النهار إنما يكون بالليل.

قلت: والأظهر أن أقلَّه ليلة لحديث عمر لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره فاعتكف ليلة وقد تقدم في المسألة السابقة، وأما قول الجمهور بأنه يجزئ أقل من ليلة ولو لحظة من ليل أو نهار، فهذا يحتاج إلى دليل.

٧ - متى يدخل المعتكف ومتى يخرج؟

من نذر أن يعتكف أيامًا معدودة، أو أراد أن يعتكف العشرة الأخيرة من رمضان فالسنة أن يدخل المعتكف بعد صلاة الفجر أول هذه الأيام (الحادي والعشرين) هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث عائشة رضي الله عنها «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباءً فيصلي الصبح ثم يدخله ...» (٢) وهو قول الأوزاعي والليث والثوري.

وذهب الأئمة الأربعة وطائفة إلى أنه يدخل قبيل غروب الشمس (يوم العشرين) وأوَّلوا الحديث على أنه دخل أول الليل وإنما تخلى بنفسه في الخباء بعد صلاة الصبح، قالوا: لأن العشر اسم لعدد الليالي فيلزم أن يبدأ قبل ابتداء الليلة.

قلت (أبو مالك): الحديث يلزم منه أحد أمرين: إما أن يكون شرع في الاعتكاف من الليل -كما قالوا- وإنما دخل خبائه بعد الفجر، فهذا يشكل على من منع الخروج من العبادة بعد الدخول فيها.

وإما أن يكون إنما شرع في الاعتكاف بعد الفجر، ويقوي هذا -عندي- حديث أبي سعيد الخدري: «اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين ...» (٣).

ففيه أنه صلى الله عليه وسلم لما كان يعتكف العشر الأوسط كان يخرج صبيحة العشرين فيكون دخوله فجر العاشر، فوافق حديث عائشة والله أعلم.


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٤٦٨)، و «فتح الباري» (٤/ ٣١٩).
(٢) صحيح: تقدم تخريجه.
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٢٠٣٦)، وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>