للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن الإجماع الذي نقله ابن المنذر وغيره، هل ينتقض بما نقله الشوكاني في «نيل الأوطار» عن داود الظاهري؟ على أن هذا الإجماع -لو سلم- لم يستقر انعقاده على شيء بعينه، وقد حصل اختلاف في تفاصيله:

فقال ابن عباس وأبوحنيفة: لا يبطل الحج بالوطء بعد عرفة.

وقال مالك: إن وطئ يوم النحر قبل رمي الجمرة بطل حجُّه، وإن وطئ يوم النحر بعد رمي الجمرة لم يبطل حجه، وإن وطئ بعد يوم النحر قبل رمي الجمرة لم يبطل حجه؟!

وقال الشافعي: إن وطئ ما بين أن يجزم إلى أن يرمي جمرة العقبة فسد حجه، وإن وطئ بعد الرمي فحجُّه تام.

ثم اختلفوا فيما يجب على من جامع اختلافًا كثيرًا (١)، كما سيأتي.

الرابع: ماذا على المجامع؟ وماذا يفعل؟

إذا جامع الرجل زوجته قبل التحلل الأول أثم وبطل حجُّه -عند الأكثرين- ويلزمها إتمام هذا لا حج -رغم فساده- لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} (٢). وعليهما الحج في العام القابل والهدي (بدنة).

وبهذا أفتى ابن عمر وابن عمرو وابن عباس رضي الله عنهم فعن وعمرو بن شعيب عن أبيه فقال: «أتى رجل ابن عمر فسأله عن محرم وقع بامرأته؟ فأشار له إلى عبد الله ابن عمرو فسأله فقال: بطل حجُّه، قال: فيقعد؟ قال: لا، بل يخرج مع الناس فيصنع كما يصنعون، فإذا أدركه قابل، حجَّ وأهدى، فرجعا إلى عبد الله بن عمر فأخبراه، فأرسلنا إلى ابن عباس، فسأله فقال له مثل ما قال ابن عمرو، فرجع إليه فأخبره فقال له الرجل: ما تقول أنت؟ فقال: مثل ما قالا» (٣).

وذهبت الظاهرية (٤) إلى أنه يفسد نسكه ويبطل وينصرف ولا يتمادى في حجه لأنه عمل فاسد، قالوا: وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج إنما يجب مرة،


(١) انظر «المحلى» (٧/ ١٨٩).
(٢) سورة البقرة: ١٩٦.
(٣) إسناده حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (١/ ٤/ ١٤٢)، والبيهقي (٥/ ١٦٧).
(٤) «المحلى» (٧/ ١٨٩) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>