لكن ... إذا كانت غير قادرة على الانتظار حتى تطهر كي تطوف، لارتباطها بموعد رحلة العودة ونحو ذلك -وهو وارد جدًّا في هذه الأيام- فلا تخلو هذه المرأة من ثمانية أقسام (١):
١ - أن يقال لها: أقيمي بمكة -وإن رحل الرجال حتى تطهري وتطوفي؟! وفي هذا من الفساد وتعريضها للمقام وحدها في بلد الغربة مع لحوق غاية الضرر ما فيه.
٢ - أن يقال لها: يسقط طواف الإفاضة للعجز عن شرطه؟! وهذا لا قائل به، فإنه ركن الحج الأعظم وهو المقصود لذاته، والوقوف بعرفة وتوابعه مقدمات له.
٣ - أن يقال لها: إذا خشيت مجيء الحيض في وقت الطواف جاز لك تقديمه على وقته؟! وهذا لا يعلم قائل به وهو كتقديم الوقوف بعرفة على يوم عرفة.
٤ - أن يقال: إذا كانت تعلم بالعادة أن حيضها يأتي في أيام الحج، فيسقط عنها فرضه حتى تصير آيسة من الحيض وينقطع بالكلية؟! ولازم هذا سقوط الحج عن كثير من النساء وهو باطل، ثم إن من لم يجب عليه الحج لو تكلفه صح منه فماذا يقال حينئذ؟!
٥ - أن يقال: ترجع على إحرامه- تمتنع من الجماع والنكاح- حتى تعود إلى البيت فتطوف وهي طاهرة ولو بعد سنين؟! وهذا مما تردُّه أصول الشريعة، وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة والمصلحة، ولا يخفى ما فيه من المشقة.
٦ - أن يقال: بل تتحلل حتى تطهر كما يتحلل المحصر مع بقاء الحج في ذمتها، فمتى قدرت على الحج لزمها، وتطوف طاهرًا؟! وهذا ضعيف لأن الإحصار أمر عارض للحاج يمنعه من الوصول إلى البيت في وقت الحج، وهذه متمكنة من البيت، ثم إن عذرها لا يسقط فرض الحج عليها ابتداءً، فلا يكون عروضه موجبًا للتحلل كالإحصار.
٧ - أن يقال: يجب عليها أن تستنيب من يحج عنها كالمعضوب العاجز عن الحج بنفسه؟! وهذا لا قائل به، ثم إن المعضوب يكون آيسًا من زوال عذره، وهذه لا تيأس من زوال عذرها لجواز أن ينقطع دمها زمن اليأس أو قبله، فليست كالمعضوب.
فبطلت هذه التقديرات السبع، فتعين التقدير الثامن وهو:
(١) مختصر من بحث رائق للعلامة ابن القيم في «إعلام الموقعين» (٣/ ١٩) وما بعدها.