للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الاستدلال مردود لأمور:

(أ) أن الحديث لا يصح مرفوعًا، فالصواب أنه موقوف من كلام ابن عباس، كما رجَّحه الترمذي والبيهقي وابن تيمية وابن حجر، وشيخنا مصطفى العدوي.

(ب) على فرض صحته، فلا يلزم منه أن الطواف يشابه الصلاة في كل شيء حتى يشترط له ما يشترط للصلاة!! (١).

(جـ) أنه قد كانت أعداد من المسلمين -لا يحصيهم إلا الله عز وجل- يطوفون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد أنه أمر أحدًا منهم بالوضوء لطوافه مع احتمال انتقاض وضوء الكثيرين ودخول كثير منهم الطواف بلا وضوء، لا سيما مع شدة الزحام في طواف القدوم والإفاضة (٢).

ولذا قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» (٦/ ١٩٨): «وتبين أن طهارة الحدث لا تشترط في الطواف ولا تجب فيه بلا ريب، ولكن تستحب فيه الطهارة الصغرى، [يعني الوضوء] فإن الأدلة الشرعية إنما تدل على عدم وجوبها فيه، وليس في الشريعة ما يدل على وجوب الطهارة الصغرى فيه ..» اهـ. وقال ابن حزم (٧/ ١٧٩): «والطواف بالبيت على غير طهارة جائز» اهـ. وهو اختيار العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في «الممتع» (٧/ ٣٠٠).

قلت: ومع ترجيحنا لجواز الطواف على غير وضوء، فلا شك أنه يستحب ذلك لحديث عائشة قالت: «أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف ثم ...» (٣) الحديث. لعموم الأدلة على استحباب الذكر على طهارة.

لكننا لا نستطيع أن نلزم من انتقض وضوؤه في الطواف بالذهاب للوضوء لا سيما مع شدة الزحام -بغير دليل واضح، والله أعلم.

هذا كله في الطهارة من الحدث الأصغر، فأما الحدث الأكبر كالحيض والنفاس والجنابة، فالظاهر أنه يجب الطهارة منه للطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة -وقد حاضت-: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» (٤) فمن طاف محدثًا


(١) انظر أوجه التفريق بين الصلاة والطواف في «جامع أحكام النساء» (٢/ ٥٢٢).
(٢) «جامع أحكام النساء» (٢/ ٥١٥) بتصرف يسير وانظر «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٢٧٣).
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (٥/ ١٦)، ومسلم (١٢٣٥).
(٤) صحيح: تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>