للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين الصفا والمروة ثم حلوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا واحدًا» (١).

قال ابن القيم: فإما أن يقال عائشة أثبتت وجابر نفى والمثبت مقدم على النافي، أو يقال: مراد جابر من قرن مع النبي صلى الله عليه وسلم وساق الهدي -وهم قلة- فإنهم إنما سعوا سعيًا واحدًا ولم يرد عموم الصحابة، أو يُعلَل حديث عائشة بأن قولها: فطاف ... إلخ) مُدرج في حديثها، فهذه ثلاث طرق للناس في حديثها. اهـ (٢).

قلت: أما دعوى الإدراج فيلزم منها تخطئة جبال الحفظ الثقات بغير بيِّنة كالزهري وغيره، فحديثها ثابت لا شك فيه وله طرق تؤيده (٣)، وهو دليل على أن المتمتع عليه طوافان وسعيان وعائشة قد حفظت ما لم يحفظ جابر ويشهد له حديث ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج فقال: «أهلَّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة، إلا من قلد الهدي» طفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وأتينا النساء لبسنا الثياب، وقال: «من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ثم أمرنا عشية التروية أن نهلَّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، فقد تم حجنا وعلينا الهدي ...» (٤).

وهذا مؤكد لما دلَّ عليه حديث عائشة من أن المتمتع يلزمه طواف وسعي لعمرة ثم يحلِّ ويَلزمه طواف وسعي آخران بعد الإفاضة من عرفة، وأما القارن فعليه طواف واحد وسعي واحد عند الجمهور.

هل يجوز تقديم السعي على الطواف بالبيت؟

ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم إلى أن من سعى قبل الطواف أنه لا يجزئه، وعليه أن يعيد، إلا أن مالكًا وأبا حنيفة قالا: يعيد الطواف والسعي جميعًا، وقال الشافعي: يعيد السعي وحده ليكون بعد الطواف (٥).


(١) صحيح: أخرجه البخاري (١٥٥٦)، ومسلم (١٢١١).
(٢) «زاد المعاد» بتصرف يسير.
(٣) انظر «حجة النبي» للألباني (ص: ٩٠).
(٤) صحيح: أخرجه البخاري تعليقًا مجزومًا ومسلم خارج صحيحه موصولاً وكذا الإسماعيلي في مستخرجه ومن طريقه البيهقي (٥/ ٢٣)، ورجاله رجال الصحيح.
(٥) «التمهيد» (٦/ ١٢ - فتح المالك)، و «المجموع» (٨/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>