للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمكنه ذلك، فتعيَّن حمل ذلك على مجرد الإيجاب أو الفضيلة أو الاستحباب (١) قلت: فيكون المراد بإتمام الحج في الحديث الإتمام الذي يصح الشيء بدونه مع التحريم، ويؤيد هذا أن من أدرك عرفة والمزدلفة ولم يطف طواف الإفاضة فلم يتم حجُّه بالإجماع، والله أعلم.

والقول بوجوب الوقوف بالمزدلفة والمبيت بها هو أعدل الأقوال وأرجحها، إلا أنني أتحفظ على إلزامه بدم الجبران، لأن الأصل حرمة مال المسلم إلا بحق، والحق يعرف بالدليل، ولا يصح القياس في الكفارات على الأصح، وإن كان هذا خلاف الجماهير.

القول الثالث: أنه سنة، وهو قول ضعيف، وهو رواية عن أحمد، رحمه الله.

فائدة: حد المبيت الواجب (٢):

ذهب الحنفية إلى أن من حصَّل قدر لحظة من طلوع الفجر -يوم النحر- إلى طلوع الشمس بمزدلفة فقد أدرك الوقوف سواء بات أو لا، وإلا لزمه دم إلا إن تركه لعذر كالزحام فلا شيء عليه.

وذهب المالكية إلى أنه زمن حط الرحل في أي جزء من الليل ما بين وصوله إلى طلوع الفجر وعند الشافعية والحنابلة: يجب الوقوف قدر لحظة من وصوله إلى منتصف الليل -إن وصلها قبل منتصفه- فإن وصلها بعد منتصف الليل أجزأه قدر لحظة قبل طلوع الفجر.

قلت: الذي يظهر أن الواجب أن يبيت بمزدلفة حتى الفجر، سواء وصلها قبل منتصف الليل أو بعده، لأن اسم المبيت لا يتناوله إلا إذا بقي بها حتى الفجر، وإنما رخَّص للضعفة من النساء وغيرهن في النفر بعد منتصف الليل، وهذا تشعر به ألفاظ الأحاديث في المسألة، كحديث عائشة قالت: «نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة بطيئة فأذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا حتى أصبحنا ....» (٣).

وهو ظاهر في أن من لم يرخَّص له لزمه أن يبقى بالمزدلفة حتى الصبح، لأنه فعل في مقابل الرخصة فأشبه العزيمة.


(١) «اختيارات ابن قدامة الفقهية» للغامدي (١/ ٦٧٥).
(٢) «رد المحتار» (٢/ ٢٤١)، و «حاشية العدوي» (١/ ٤٧٥)، و «مغنى المحتاج» (١/ ٤٩٨)، و «المغنى» (٣/ ٤١٧)، و «الفروع» (٣/ ٥١٠).
(٣) صحيح: أخرجه البخاري (١٦٨١)، ومسلم (١٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>