للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن النهي عن استقبال القبلة واستدبارها مطلق سواء في البنيان أو الصحراء.

وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وابن حزم، واختاره شيخ الإسلام، ونقله ابن حزم عن أبي هريرة وأبي أيوب وابن مسعود وسراقة بن مالك، وعن عطاء والنخعي والثوري والأوزاعي وأبي ثور (١)، واحتجوا بحديث أبي أيوب المتقدم.

وأجابوا عن حديث ابن عمر بأمور:

(أ) أن الحاظر مقدم على المبيح.

(ب) أنه ليس فيه أن ذلك كان بعد النهي عن الاستقبال والاستدبار.

(جـ) أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة إلا ما يدل دليل على أنه أراد الاقتداء به في ذلك وإلا كان فعله خاصًّا به.

قلت: وربما تأيد هذا الأخير بأن رؤية ابن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم اتفقت له من غير قصد، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بهذا بيان حكم شرعي جديد.

الثاني: أن النهي خاص بالصحراء دون البنيان: وبه قال مالك والشافعي وأصح الروايتين عن أحمد وإسحاق، وقد سلكوا بهذا مسلك الجمع بين الدليلين، وقالوا: إن قاعدة (القول مقدم على الفعل) إنما يعمل بها في حالة ثبوت الخصوصية ولا دليل عليها.

الثالث: أنه يجوز الاستدبار فقط دون الاستدبار: وقد حكى عن أبي حنيفة وأحمد، عملاً بظاهر حديث ابن عمر مع حديث أبي أيوب.

الرابع: جواز الاستقبال والاستدبار مطلقًا: وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود، وحجتهم أن الأحاديث تعارضت فيرجع إلى أصل الإباحة.

قلت: ولعل القول الأول -وهو التحريم مطلقًا- هو الأقوى دليلاً والأحوط عملاً، والله أعلم.

٦ - اجتناب الكلام مطلقًا إلا للحاجة:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما «أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم -وهو يبول- فسلَّم عليه فلم يرد عليه» (٢).


(١) المحلى (١/ ١٩٤)، والفتح (١/ ٢٩٦)، والأوسط (١/ ٣٣٤) وما بعدها، والسيل الجرار (١/ ٦٩)، والاختيارات الفقهية (٨).
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٣٧٠)، وأبو داود (١٦)، والترمذي، والنسائي (١/ ١٥)، وابن ماجه (٣٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>