للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون بإطعام عشرة مساكين، فهل يجزئ أن يطعم مسكينًا واحدًا عشر مرات أو مسكينين خمس مرات وهكذا؟ قولان للعلماء، والأظهر أنه يلزم إطعام عشرة لظاهر الآية الكريمة، وهو مذهب الشافعي وأحمد -في المشهور- وابن حزم، وقال أبو حنيفة- وهو الرواية الأخرى عن أحمد- يجزئ إطعام مسكين عشر مرات بشرط أن تدفع إليه جملة واحد (!!).

(ب) نوع الطعام ومقداره (١): اختلفت مذاهب الأئمة في تقدير الإطعام في الكفارة، فذهب الجمهور -خلافًا لمالك- إلى أن الكفارة بالإطعام مقدرة بالشرع، فمذهب أبي حنيفة: أنه يطعم كل مسكين صاعًا (أي من قمح أو تمر أو شعير أو دقيق)، ومذهب الشافعي: يجزئ المُدُّ، وهو قول الحنابلة، وحجتهم في التقدير بالمد، حديث نافع قال: «كان ابن عمر يعطى زكاة رمضان بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم المدِّ الأول، وفي كفارة اليمين بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم» (٢) وحجة من قدر بالصاع أثر عمر بن الخطاب أنه كان: «يطعم عشرة مساكين -كل مسكين- صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو نصف صاع من قمح» (٣).

بينما ذهب الإمام مالك وابن حزم -واختاره شيخ الإسلام- إلى أن الإطعام مقدَّر بالعرف لا بالشرع فيطعم أهل كل بلد من أوسط ما يطعمون أهليهم قدرًا ونوعًا، لقوله تعالى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (٤) قال شيخ الإسلام (٣٥/ ٣٤٩): «.. والمنقول عن الصحابة والتابعين هذا القول، ولهذا كانوا يقولون: الأوسط خبز ولبن، خبز وسمن، خبز وتمر، والأعلى خبز ولحم، وقد بسطنا الآثار عليهم (٥) في غير هذا الموضع، وبينا أن هذا القول هو الصواب الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ....» اهـ.

وقال (٣٥/ ٣٥٣): «.. والمختار أن يرجع في ذلك إلى عرف الناس


(١) «ابن عابدين» (٣/ ٤٧٨)، و «روضة الطالبين» (٨/ ٣٠٤)، و «المدونة» (٢/ ٣٩)، و «المحلى» (٨/ ٧٢)، و «مجموع الفتاوى» (٣٥/ ٣٤٩).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٦٧١٣).
(٣) صحيح: أخرجه عبد الرزاق (١٠٦٧٥)، والطبري (٥/ ١٣).
(٤) سورة المائدة: ٨٩.
(٥) انظر هذه الآثار في «تفسير الطبري» (٥/ ١٢ - ١٣)، و «مصنف عبد الرزاق» (٨/ ٥٠٧) وما بعدها، و «سنن البيهقي» (١٠/ ٥٥)، وقد أورد أخونا عصام ما صحَّ عنده منها في «فقه الأيمان» (ص ٢١٧ - ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>